فخرج زياد بن خَصَفة حتى أتى دارَه، وجمع أصحابه، فحمد الله وأثنى عَليه، ثمّ قال: أمّا بعد يا معشرَ بكر بن وائل، فإن أمير المؤمنين ندَبني لأمر من أمره مُهِمّ له، وأمرني بالانكماش فيه، وأنتم شيعتُه وأنصارُه، وأوثقُ حيٍّ من الأحياء في نفسه، فانتدِبوا معي الساعة، واعجلوا. قال: فوالله ما كان إلا ساعةً حتى اجتمع له منهم مئة وعشرون رجلًا أو ثلاثون؛ فقال: اكتفينا، لا نريد أكثرَ من هذا، فخرجوا حتى قطعوا الجسر، ثم دير أبي موسى، فنزله، فأقام فيه بقيّة يومه ذلك ينتظر أمرَ أمير المؤمنين.
رجع الحديث إلى حديث أبي مِخْنف، قال أبو مخنف: وحدّثني الحارث بن كعب عن عبد الله بن فُقَيم الأزديّ، قال: كنت أنا وأخي كعب في ذلك الجيش مع مَعْقل بن قيس، فلما أراد الخروج؛ أقبل إلى عليّ فودّعه، فقال: يا معقِل! اتق الله ما استطعت، فإنّها وصية الله للمؤمنين، لا تَبغِ على أهل القبلة، ولا تظلم أهلَ الذّمّة، ولا تتكبّر فإن الله لا يحبّ المتكبّرين. فقال: الله المستعان! فقال له عليّ: خيرُ مستعان؛ قال: فخرج؛ وخرجنا معه حتى نزلنا الأهواز، فأقمنا ننتظر أهلَ البصرة، وقد أبطؤوا علينا، فقام فينا معقلُ بن قيس، فقال: يا أيّها الناس! إنا قد انتظرنا أهلَ البصرة، وقد أبطؤوا علينا، وليس بحمد الله بناقِلةٌ ولا وَحْشة إلى الناس، فسيروا بنا إلى هذا العدوّ القليل الذّليل، فإني أرجو أن ينصركم الله، وأن يهلِكهم.
قال: فقام إليه أخي كعب بن فُقَيم، فقال: أصبتَ - أرشَدَك الله - رأيك! فوالله إني لأرجو أن يَنصرَنا الله عليهم، وإن كانت الأخرى فإن في الموت على الحق تعزيةً عن الدنيا، فقال: سيروا على بَرَكة الله؛ قال: فسِرْنا ووالله ما زال معقِل لي مُكرمًا وَادًّا، ما يَعدل بي من الجند أحدًا؛ قال: ولا يزال يقول: وكيف قلت: إن في الموت على الحقّ تعزية عن الدّنيا؟ صدقت واللهِ، وأحسنت، ووُفِّقت! فوالله ما سِرْنا يومًا حتى أدركَنَا فيْج يشتدّ بصحيفة في يده من عند عبد الله بن عباس: أما بعد، فإن أدركك رسوِلي بالمكان الذي كنت فيه مقيمًا، أو أدرَكك وقد شخصْتَ منه، فلا تبرحْ المكان الذي ينتهي فيه إليك رسولي، واثبتْ فيه حتى يقدم عليك بعثُنا الذي وجّهناه إليك، فإني قد بعثتُ إليك خالدَ بن معدان الطائيّ، وهو من أهل الإصلاح والدِّين والبأس والنجدة، فاسمع منه، واعرف ذلك له؛ والسلام.