فقرأ معقل الكتاب على الناس، وحَمِد الله، وقد كان ذلك الوجه هالهم. قال: فأقمنا حتى قدم الطائيّ علينا، وجاء حتى دخل على صاحبنا، فسلَّم عليه بالإمْرة، واجتمعا جميعًا في عسكر واحد. قال: ثم إنا خرجْنا فسرنا إليهم، فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامَهُرْمُز يريدون قَلعة بها حصينة وجاءنا أهلُ البلد فأخبرونا بذلك، فخرجْنا في آثارهم نُتبعهم، فلحقناهم وقد دنَوا من الجبل، فصففْنا لهم، ثم أقبلْنا إليهم، فجعل معقِل على ميمنته يزيدَ بن المغْفِل، وعلى ميسرته مِنجاب بن راشد الضبِّيّ من أهل البَصرة، وصَفّ الخِرّيت بن راشد الناجى مَنْ معه من العرب، فكانوا ميمنةً، وجعل أهل البلد والعُلوج ومَنْ أراد كسرَ الخراج وأتباعهم من الأكراد ميسَرة. قال: وسار فينا مَعْقل بن قيس يحرّضنا ويقول لنا: عبادَ الله! لا تَعدِلوا القومَ بأبصاركم، غُضّوا الأبصار، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم على الطعن والضرب، وأبشِروا في قتالهم بالأجر العظيم، إنما تقاتلون مارقة مرقتْ من الدين، وعُلوجًا منعوا الخَراج؛ وأكرادًا: انظروني فإذا حملتُ؛ فشدّوا شَدّة رجل واحد. فمرّ في الصفّ كله يقول لهم هذه المقالة، حتى إذا مرّ بالناس كلّهم أقبل حتى وقف وسط الصفّ في القلب، ونظرنا إليه ما يصنع!
فحرّك رايته تحريكتين، فوالله ما صبروا لنا ساعةً حتى ولَّوا، وشدَخنْا منهم سبعين عربيًّا من بني ناجية، ومن بعض من اتّبعهم من العرب، وقتلْنا نحوًا من ثلاثمئة من العُلوج والأكراد، قال كعب بن فُقَيم: ونظرتُ فيمن قُتِل من العرب، فإذا أنا بصديقي مدرك بن الرّيان قتيلًا، وخرج الخِزيت بن راشد وهو منهزِم حتى لحق بأسياف البحر، وبها جماعة من قومه كثير، فما زال بهم يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف عليّ، ويبيّن لهم فراقَه، ويخبرهم: أنّ الهدى في حربه، حتى اتبعه منهم ناس كثير، وأقام معقِل بن قيس بأرض الأهواز، وكتب إلى عليّ معي بالفتح، وكنت أنا الذي قدمتُ عليه، فكتب إليه:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، لعبد الله عليّ أمير المؤمنين، من معقِل بن قيس. سلامٌ عليك، فإني أحمد إليكَ الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنا لقِينا المارقين، وقد استظهَروا علينا بالمشركين، فقتَلْناهم قتلَ عاد وإرَم، مع أنا لم نَعْدُ فيهم سيرتَك، ولم نقتل من المارقين مدبرًا ولا أسيرًا، ولم نذفّف منهم على