جريح، وقد نصرك الله والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
قال: فقدمتُ عليه بهذا الكتاب، فقرأه على أصحابه، واستشارهم في الرأي، فاجتمع رأيُ عامّتهم على قول واحد، فقالوا له: نرى أن تكتب إلى معقل ابن قيس فيتبع أثرَ الفاسق، فلا يزال في طلبه حتى يَقتلَه أو ينفيَه، فإنا لا نأمن أن يُفسد عليك الناس. قال: فردّني إليه، وكتب معي:
أمَّا بعد، فالحمد لله على تأييد أوليائه، وخذلان أعدائه، جزاك الله والمسلمين خيرًا، فقد أحسنتم البلاء، وقضيتم ما عليكم، وسَلْ عن أخي بني ناجية، فإنْ بلغك أنه قد استقرّ ببلد من البُلدان فسرْ إليه حتى تَقتلَه، أو تنفيَه، فإنه لن يزال للمسلمين عدوًّا، وللقاسِطِين وليًّا، ما بقي؛ والسلام عليك.
فسأل معقل عن مستقرّه، والمكان الذي انتهَى إليه، فنبِّئَ بمكانه بالأسياف، وأنَّه قد ردّ قومه عن طاعة عليّ، وأفسدَ مَنْ قِبَله منِ عبد القيس ومَن والاهم من سائر العرب، وكان قومُه قد منعوا الصَّدَقة عام صِفين، ومنعوها في ذلك العام أيضًا، فكان عليهم عِقالان، فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل الكوفة وأهل البصرة، فأخذ على فارسَ حتى انتهى إلى أسياف البحر، فلما سمع الخِرّيت بن راشد بمسيره إليه أقبل على مَنْ كان معه من أصحابه ممن يَرَى رأيَ الخوارج، فأسرَّ لهم: إني أرى رأيَكم، فإن عليًّا لن ينبغي له أن يُحكّم الرجالَ في أمر الله، وقال للآخرين مندّدًا لهم: إنّ عليًّا حَكم حَكَمًا، ورَضِيَ به، فَخلَعه حكَمُه الذي ارتضاه لنفسه، فقد رضيتُ أنا من قضائه وحكمه ما ارتضاه لنفسه، وهذا كان الرأي الذي خرج عليه من الكوفة. وقال سرًّا من يرى رأيَ عثمان: أنا والله على رأيكم، قد والله قُتل عثمان مظلومًا، فأرضى كلّ صنف منهم، وأراهم أنه معهم، وقال من منع الصدقة: شدّوا أيديَكم على صدقاتكم، وصِلُوا بها أرحامَكم، وعودوا بها إن شئتم على فقرائكم، وقد كان فيهم نصارى كثير قد أسلموا، فلمّا اختلف الناس بينهم؛ قالوا: والله لَدينُنا الذي خرجْنا منه خيرٌ وأهدى من دين هؤلاء الذي هم عليه؛ ما ينهاهم دينهُم عن سفك الدماء، وإخافةِ السبيل، وأخذ الأموال. فرجعوا إلى دينهم، فلقيَ الخِرّيت أولئك، فقال لهم: وَيْحكم! أتدرون حُكمَ عليّ فيمن أسلم من النصارى، ثم رجع إلى نصرانيته؟ لا والله ما يسمع لهم قولًا، ولا يرى لهم عذرًا، ولا يقبل