فقال له: ذلك ما أقول لك، فقال له زياد: ففيم قتلتَ ذلك الرجل المسلم؟ قال: ما أنا قتلتُه، إنما قتلتْه طائفةٌ من أصحابي، قال: فادفعهم إلينا؛ قال: ما إلى ذلك سبيل؛ قال: كذلك أنت فاعل؟ قال: هو ما تسمع! قال: فدعَوْنا أصحابَنا، ودعا أصحابه، ثم أقبلنا؛ فوالله ما رأينا قتالًا مثلَه منذ خلقني ربّي، قال: اطّعنّا والله بالرماح حتى لم يبقَ في أيدينا رُمح! ثم اضطربنا بالسيوف حتى انحنتْ وعقِر عامّه خيلِنا وخيلهم، وكثرت الجراح فيما بيننا وبينهم، وقُتل منّا رجلان: مولَى زياد كانت معه رايتُه يدعى سُوَيدًا، ورجل من الأبناء يدعَى وافد بن بكر، وصرَعْنا منهم خمسةً، وجاء الليل يحجز بيننا وبينهم، وقد والله كرهونا وكرِهناهم، وقد جرح زياد، وجرحت.
قال: ثمّ إنّ القوم تنحّوا، وبتْنا في جانب، فمكثوا ساعةً من الليل، ثم إنهم ذهبوا، واتّبعناهم حتى أتينا البصرة، وبلَغَنا أنهم أتوا الأهواز، فنزلوا بجانب منها، وتلاحق بهم أناس من أصحابهم نحو من مئتين كانوا معهم يالكوفة، ولى يكن لهم من القوّة ما يُنهضهم معهم حتى نهضوا، فاتبعوهم فلحقوهم بأرض الأهواز، فأقاموا معهم، وكتب زياد بن خَصَفة إلى علي:
أمّا بعد، فإنا لقينا عدو الله الناجيّ بالمذار، فدعَوْناهم إلى الهدى والحقّ وإلى كلمة السَّواء، فلم ينزلوا على الحقّ، وأخذتْهم العزّة بالإثم، وزَيّن لهم الشيطان أعمالَهم فصدّهم عن السبيل، فقَصَدوا لنا، وصَمدْنا صمدَهم، فاقتتلْنا قتالًا شديدًا ما بين قائم الظَّهيرةِ إلى دُلُوك الشمس، فاستشهِد منّا رجلان صالحان، وأصيب منهم خمسةُ نفر، وخلّوا لنا المعركة، وقد فشت فينا وفيهم الجراح. ثم إنّ القوم لما لبسهم الليل خرجوا من تحته متنكّبين إلى أرض الأهواز، فبلَغَنا أنهم نزلوا منها جانبًا ونَحن بالبصرة نُداوِي جراحَنا، ونَنتظر أمرَك رحمك الله؛ والسّلام عليك.
فلما أتيتُه بكتابه قرأه على الناس، فقام إليه معقل بن قيس، فقال: أصلَحك الله يا أميرَ المؤمنين! إنما كان ينبغي أن يكون مع من يطلب هؤلاء مكان كلّ رجل منهم عشرة من المسلمين، فإذا لَحِقوهم استأصَلوهم وقطعوا دابرَهم، فأمّا أن يلقاهم أعدادُهم فلعَمري ليصبرُنَّ لهم، هم قومٌ عرب، والعدّة تصبر للعدّة، وتنتصف منها، فقال: تجهّز يا معقلَ بنَ قيس إليهم، وندب معه ألفين من أهل