فأخذه مالك بن كعب الأرحبيّ، فسرّح به إلى عليّ، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يَد النصرانيّ، فمات، وكتب نُعيم إلى أخيه مَصْقَلة:
لا ترْمِيَنَّ هَداكَ اللهُ مُعْتَرِضًا ... بالظَّنِّ مِنْك فما بالي وحُلوانا!
ذاك الحَريصُ على ما نالَ مِن طَمَع ... وهْوَ البَعيدُ فلا يُحْزِنْكَ إذْ خانا
ماذا أَردْتَ إلى إرْسالِهِ سَفَهًا ... ترْجو سِقَاطَ امْرِئٍ لمْ يُلْفَ وَسْنانا
عَرَّضْتَهُ لِعَليٍّ إنَّهُ أَسَدٌ ... يمشي العِرَضْنَةَ مِنْ آسادِ خَفّانا
قد كنْتَ في مَنْظَرٍ عن ذا ومُسْتَمَعٍ ... تحْمِي العراقَ وتُدْعى خَيْرَ شيْبانا
حَتَّى تَقَحَّمْتَ أَمْرًا كنْتَ تَكْرَهُهُ ... للرّاكبين لَهُ سِرًّا وإِعلانا
لو كنْتَ أَدَّيْتَ ما للقَوْم مُصْطَبِرًا ... للْحَقِّ أَحْييْتَ أَحيانَا ومَوْتانا
لكن لَحِقْتَ بأَهْلِ الشأمِ مُلتمِسًا ... فضل ابن هِنْدٍ وذاك الرأيُ أَشجانا
فاليَوْمَ تَقْرَعُ سِنَّ الغُرْمِ من ندَمٍ ... ماذا تَقولُ وقَدْ كان الذي كانا!
أَصْبحْتَ تُبْغِضكَ الأَحياءُ قاطِبةً ... لم يَرْفَع اللهُ بالبَغْضاء إنسانا
فلما وَقَع الكتاب إليه عَلِم: أنّ رسوله قد هلك، ولم يلبث التغلبيّون إلا قليلًا حتى بلغهم هلاكُ صاحبهم حُلوان، فأتوا مصقلةَ فقالوا: إنك بعثتَ صاحبَنا فأهْلَكتَه، فإما أن تُحييَه وإما أن تَدِيَه، فقال: أمّا أن أحِييَه فلا أستطيع، ولكنّي سأدِيه؛ فوَداه (١). (٥: ١٢٩/ ١٣٠/ ١٣١).
١١٩٣ - قال أبو مخنف: وحدّثني عبد الرحمن بن جندَب، قال: حدّثني أبي، قال: لما بلِغ عليًّا مصابُ بني ناجية، وقتلَ صاحبهم، قال: هوتْ أمّه! ما كان أنقَصَ عقله، وأجرَأه على ربّه! فإنّ جائيًا جاءني مرّة، فقال لي: في أصحابك رجالٌ قد خشيتُ أن يفارقوك، فما ترى فيهم؟ فقلت له: إنّي لا آخذ على التّهمة، ولا أعاقب على الظنّ، ولا أقاتل إلا من خالفَني، وناصَبَني، وأظهر لي العداوة، ولست مُقاتِلَه حتى أدعوَه وأعذرَ إليه، فإن تاب ورجع إلينا؛ قبلْنا منه، وهو أخونا، وإن أبى إلا الاعتزامَ على حربنا، استعنّا عليه اللهَ، وناجَزْناه. فكفّ عني ما شاء الله. ثم جاءني مرّة أخرى فقال لي: قد خشيت أن يَفسد عليك عبدُ الله بنُ وهب الراسبيّ وزيدُ بن حصين، إني سمعتُهما يَذكرانك
(١) إسناده تالف.