الأمة، وأعظم الغِشّ على أهل المصر غشّ الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمئة ألف، فابعث بها إليّ ساعةَ يأتيك رسولي، وإلا فاقبِل حين تنظرُ في كتابي، فإني قد تقدّمت إلى رسولي إليك ألّا يَدَعَك أن تقيمَ ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال! والسلام عليك.
وكان الرسول أبو جُرّة الحنفيّ، فقال له أبو جُرّة: إن يبعث بالمال الساعة وإلا فاشْخَصْ إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه؛ أقبل حتى نزل البَصرة، فمكث بها أيامًا، ثم إنّ ابن عباس سأله المال، وكان عمّال البصرة يحملون من كُوَر البصرة إلى ابن عباس، ويكون ابنُ عباس هو الذي يبعث به إلى عليّ؛ فقال له: نعم، أنظِرني أيامًا، ثم أقبل حتى أتى عليًّا فأقرّه أيامًا، ثم سأله المال، فأدّى إليه مئتي ألف، ثم إنه عجز فلم تقدِر عليه (١). (٥: ١٢٧/ ١٢٨/ ١٢٩).
١١٩٢ - قال أبو مخنف: وحدّثني أبو الصّلت الأعور عن ذُهل بن الحارث، قال: دعاني مَصْقلة إلى رَحْلِه، فقُدّم عشاؤه، فطَعِمْنا منه، ثم قال: والله إن أميرَ المؤمنين يسألني هذا المال، ولا أقدِر عليه! فقلت: والله لو شئتَ ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميعَ المال؛ فقال: والله ما كنت لأحمّلهَا قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابنَ هند هو طالبني بها، أو ابن عفان لتركها لي؛ ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعَم الأشعثَ من خراج أذْرَبيجان مئة ألف في كلّ سنة! فقلت له: إنّ هذا لا يرى هذا الرأي، لا والله ما هو بباذل شيئًا كنتَ أخذته، فسكت ساعةً، وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلةً واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. وبلغ ذلك عليًّا، فقال: ماله برّحه اللهَ؛ فعَل فِعلَ السيِّد، وفرّ فِرارَ العبد، وخان خيانة الفاجر! أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدْنا له شيئًا أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. ثم سار إلى داره فنقضها وهدّمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعتًا، ولعليٍّ مناصحًا، فكتب إليه مصقلة من الشأم مع رجل من النصارى من بني تَغلِب يقال له حُلْوان:
أما بعد: فإني كلّمتُ معاويةَ فيك، فوعَدَك الإمارة، ومنّاك الكرامة، فأقبِل إليَّ ساعةَ يلقاك رسولي إن شاء الله؛ والسلام.