للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض. قال: فأشهد أنّي رحمتُهم رحمةً ما رحمتُها أحدًا قبلَهم ولا بعدَهم.

قال: وكتب معقل بن قيس إلى عليّ: أما بعد، فإنِّي أخبر أميرَ المؤمنين عن جُنْده وعدوّه؛ إنا دفعنا إلى عدونا بالأسياف فوجدنا بها قبائلَ ذات عِدّة، وحِدّة، وجِدّ، وقد جُمعت لنا، وتحزّبتْ علينا، فدعَوْناهم إلى الطاعة والجماعة، وإلى حُكم الكتاب والسنة، وقرأنا عليهم كتابَ أمير المؤمنين، ورفعنا لهم رايةَ أمان، فمالَتْ إلينا منهم طائفة، وبقيتْ طائفة أخرى مُنابِذة، فقبلنا من التي أقبلت، وصَمدْنا للتي أدبرتْ، فضرب الله وجوهَهم، ونُصِرنا عليهم؛ فأمّا من كان مسلمًا؛ فإنا مننّا عليه، وأخذنا بيعتَه لأمير المؤمنين، وأخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم، وأما من ارتدّ؛ فإنا عرضنا عليه الرجوع إلى الإسلام، وإلا؛ قتلناه، فرجعوا غير رجل واحد، فقتلناه، وأما النصارى، فإنا سبيْناهم، وقد أقبلْنا بهم ليكونوا نكالًا من بعدهم من أهل الذمة، لكيلا يمنعوا الجزية، ولكيلا يجترئوا على قتال أهلِ القبلة، وهم أهل الصّغار والذلّ، رحمك الله يا أميرَ المؤمنين، وأوجَبَ لك جنّات النعيم! والسلام عليك.

ثم أقبل بهم حتى مرّ بهم على مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ، وهو عاملُ عليّ على أردَشِير خُرّه، وهم خمسمئة إنسان، فبكى النساء والصبيانُ، وصاحَ الرجال: يا أبا الفضل، يا حاميَ الرجال، وفَكّاك العُناة، امنن علينا فاشترِنا، وأعتِقنا! فقال مصقَلة: أقسم بالله لأتصدّقنَ عليهم، إنّ الله يَجزِي المتصدّقين! فبُلِّغها عنه معقِل، فقال: والله لو أعلم أنه قاله توجُّعًا لهم، وزراءً عليكم؛ لضربتُ عنقَه، ولو كان في ذلك تفانِي تميم وبكْر بن وائل! ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذّهليّ إلى معقِل بن قيس فقال له: بِعني بني ناجية. فقال: نعم، أبيعك بألف ألف، ودفَعَهم إليه، وقال له: عجّل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال: أنا باعث الآن بصدر، ثم أبعثُ بصدر آخر كذلك، حتى لا يبقى منه شيء إن شاء الله تعالى. وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين وأخبره بما كان منه في ذلك، فقال له: أحسنتَ وأصبتَ، وانتظَرَ عليٌّ مصقلة أن يبعث إليه بالمال، وبلغ عليًّا: أنّ مصقلة خلَّى سبيلَ الأسارى ولم يسألهم أن يُعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال: ما أظنّ مصقلة إلا قد تحمّل حَمالةً؛ ألا أراكم سترَوْنه عن قريب ملبّدًا، ثم إنه كتب إليه: أمّا بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة

<<  <  ج: ص:  >  >>