ذكروا أهلَ النّهر، فترحَّموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدَهم شيئًا! إخوانُنا الذين كانوا دُعاةَ الناس لعبادة ربّهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومةَ لائم، فلو شَرَيْنا أنفسَنا فأتينا أئمّة الضلالة فالتمسْنا قتلَهم، فأرحْنا منهم البلاد، وثأرْنا بهم إخوانَنا! فقال ابن مُلجَم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب - وكان من أهل مصرَ - وقال البُرَك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاويةَ بنَ أبي سُفْيان؛ وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عَمرَو بنَ العاص، فتعاهَدوا وتواثَقوا بالله لا يَنكُص رجل منّا عن صاحبه الذي توجّه إليه حتى تقتلَه، أو يموت دونَه، فأخذوا أسيافَهم، فسمُّوها واتَّعَدوا لسبع عشرة تخلو من رمضانَ أن يثبَ كلُّ واحد منهم على صاحبه الذي توجّه إليه، وأقبل كلّ رجل منهم إلى المِصْرِ الذي فيه صاحبُه الذي يَطلب.
فأما ابنُ ملجَم المُراديّ فكان عداده في كِنْدة، فخرج فلقيَ أصحابَه بالكوفة، وكاتَمهم أمرَه كراهة أن يُظهروا شيئًا من أمره، فإنه رأى ذاتَ يوم أصحابًا من تَيْمِ الرِّباب - وكان عليٌّ قَتَل منهم يوم النهر عشرة - فذكروا قَتْلاهم، ولقَى من يومه ذلك امرأة من تيم الرِّباب يقال لها: قَطام ابنة الشِّجْنَة - وقد قَتَل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقةَ الجمال - فلما رآها؛ التبستْ بعَقله، ونسي حاجتَه التي جاء لها؛ ثم خطبها، فقالت: لا أتزَوّجك حتى تَشفي لي! قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف، وعبد، وقينة، وقتل عليّ بن أبي طالب، قال: هو مهرٌ لك، فأمّا قتل عليٍّ فلا أراكِ ذكرتِه لي وأنت تريديني! قالت: بلَى، التمس غرّته، فإن أصبت؛ شفيتَ نفسك ونفسي، ويَهنِئك العيشُ معي، وإن قُتِلت؛ فما عنَد الله خيرٌ من الدنيا، وزينتها، وزينة أهلها؛ قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المِصْر إلا قتلُ عليّ! فلك ما سألتِ. قالت: إنّي أطلب لك من يُسند ظهرَك، ويساعدُك على أمرك، فبعثتْ إلى رجل من قومها من تَيْم الرِّباب يقال له: وَرْدان، فكلّمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلًا من أشجع يقال له: شبيب بن بَجرَة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ ! قال: وما ذاك؟ قال: قتلُ عليّ بن أبي طالب؛ قال: ثكلتْك أمُّك! لقد جئتَ شيئًا إدًّا، كيف تقدر على عليّ! قال: أكمُن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شدَدْنا عليه فقَتلْناه، فإن نجوْنا؛ شفَيْنا أنفسَنا، وأدرَكنْا ثأرَنا، وإن قُتِلنا فما عند الله خيرٌ من الدنيا وما فيها، قال: وَيحك! لو كان غير عليٍّ؛ لكان أهوَن عليّ، قد عرفتَ بلاءَه في الإسلام،