صبرَ لي عليها، وأما انقطاع الولد فإنّ في يزيد، وعبد الله ما تَقرّ به عيني، فسقاه تلك الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات، وحَرَس الليل، وقيام الشُّرْطة، على رأسه إذا سَجَد.
وأما عمرو بن بكر؛ فجلس لعَمرو بن العاص تلك الليلة، فلم يَخرج، وكان اشتكى بطنَه، فأمر خارجة بن حُذافة، وكان صاحب شُرطته، وكان من بني عامر بن لؤيّ، فخرج ليصلّي، فشدّ عليه وهو يرى: أنه عمرو، فضَرَبه، فقتله، فأخذه الناس، فانطَلَقوا به إلى عَمرو يسلّمون عليه بالإمْرة، فقال: مَن هذا؟ قالوا: عمرو؛ قال: فمن قتلتُ؟ قالوا: خارجة بن حُذافة، قال: أمَا والله يا فاسق ما ظننتُه غيرَك! فقال عَمرو: أردَتني وأراد الله خارجة، فقدّمه عمرو فقَتلَه، فبلغ ذلك معاوية، فكتب إليه:
وقَتْلٌ وأَسبابُ المَنايا كثيرةٌ ... منيَّةُ شيخٍ من لؤيِّ بنِ غالِبِ
فيا عمرُو مَهلًا إنما أَنت عَمُّهُ ... وصاحبُهُ دون الرجالِ الأَقارِبِ
نحَوْتَ وقد بَلَّ المُراديُّ سَيْفهُ ... منِ ابن أَبي شَيخِ الأَباطِح طالِبِ
ويضرِبُني بالسيفِ آخَرُ مِثْلهُ ... فكانَتْ علينا تلك ضربَةَ لازِبِ
وأَنتَ تُناغي كلَّ يوم وليلةٍ ... بمِصْرِك بيضًا كالظِّباء السَّوارِبِ
ولما انتهى إلى عائشةَ قتلُ عليّ - رضي الله عنه - قالت:
فألقتْ عَصاهَا واستقرَّتْ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عينًا بالإِيابِ المُسافِرُ
فمن قتله؟ فقيل: رجل من مُراد؛ فقالت:
فإن يَكُ نائيًا فلقد نَعاهُ ... غُلامٌ ليس في فيهِ التُّرابُ
فقالت زينب ابنة أبي سَلَمة: ألِعليّ تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسَى، فإذا نسيتُ فذكِّروني، وكان الذي ذهب بنعيه سُفيان بنُ عبدِ شمس بن أبي وقّاص الزُّهرِيّ، وقال ابن أبي ميّاس المراديّ في قتل عليّ:
ونحن ضرْبنا يا لكَ الخيْرُ حَيْدَرا ... أبا حَسَنٍ مأْمومَة فتَفَطَّرا
ونحن خلعْنا مُلكَهُ من نِظامِهِ ... بضربةِ سيفٍ إذْ عَلَا وتَجبَّرَا
ونحن كِرامٌ في الصَّباح أَعِزَّةٌ ... إذا الموتُ بالموتِ ارْتَدى وتأَزَّرا
وقال أيضًا:
ولم أرَ مَهْرًا ساقَهُ ذو سَماحَةٍ ... كمْهرِ قَطامٍ من فصيحٍ وأَعجَم