للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أَهْلَ الْبَيتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: ٧٢ - ٧٤].
وهكذا أجيب زكريا - عليه السلام -، قال له الملك الذي يوحى إليه بأمر ربه: {كَذَلِكَ قَال رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي: هذا سهل يسير عليه {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيئًا} أي: قدرته أوجدتك بعد أن لم تكن شيئًا مذكورا، أفلا يوجد منك ولد وإن كنت شيئًا؟ !
وقال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ومعنى إصلاح زوجته أنها كانت لا تحيض فحاضت. وقيل: كان في لسانها شيء، أي: بذاءة.
{قَال رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} أي: علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به {قَال آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا} يقول علامة ذلك أن يعتريك سكوت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزًا، وأنت في ذلك سويّ الخلق صحيح المزاج معتدل البنية، وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب، واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والإبكار، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسرورًا بها على قومه من محرابه {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} والوحي ها هنا هو الأمر الخفي إما بكتابة، كما قاله مجاهد والسدي، أو إشارة كما قاله مجاهد أيضًا ووهب وقتادة، قال مجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة: اعتقل لسانه من غير مرض. وقال ابن زيد: كان يقرأ ويسبح ولكن لا يستطيع كلام أحد.
وقوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَينَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} يخبر تعالى عن وجود الولد، وفق البشارة الإلهية لأبيه زكريا - عليه السلام -، وأن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه.
وأما قوله: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} أي: رحمة من عندنا، رحمنا بها زكريا فوهبنا له هذا الولد، وعن عكرمة: {وَحَنَانًا} أي: محبة عليه، ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولا سيما على أبويه، وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما.
وأما الزكاة فهي طهارة الخلق وسلامته من النقائص والرذائل. والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره. ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمرًا ونهيًا وترك عقوقهما قولًا وفعلًا فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} ثم قال: {وَسَلَامٌ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان، فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر، فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه، ولهذا يستهل صارخًا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها، وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها! .
وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور =

<<  <  ج: ص:  >  >>