إليهم، وتقدّموا إليهم فيّ وفي أصحابي، فهل قام فيكم أحدٌ يذكر لكم شيئًا من ذلك؟ قال: فقال: نعم، قد قام فينا صعصعة بن صُوحان، فتقدّم إلينا في ألا نؤوِيَ أحدًا من طِلْبتهم، وقالوا أقاويلَ كثيرةً كرهتُ أن أذكرَها لكم فتحسَبوا أنه ثَقُل عليّ شيء من أمركم؛ فقال له المستورد: قد أكرمْتَ المثوَى، وأحسنت الفِعل، ونحن إن شاء الله مُرتحِلون عنك، ثم قال: أما والله لو أرادوك في رَحْلي ما وَصلوا إليك ولا إلى أحد من أصحابك حتى أموتَ دونكم، قال: أعاذك الله من ذلك!
وبلغ الذين في مَحبِس المغيرة ما أجمع عليه أهلُ المِصر من الرأي في نفي من كان بينهم من الخوارج، وأخذِهم، فقال معاذ بن جُوَين بن حصين في ذلك:
ألا أيّها الشارُون قد حان لامرئٍ ... شرَى نفسَه لله أن يَتَرحَّلَا
أَقَمتْم بدار الخاطئين جَهالةً ... وكلُّ امرئٍ منكم يُصادُ لِيُقْتَلَا
فشُدُّوا علَى القومِ العُداةِ فِإنَّما ... أقامَتْكُمُ للذبْح رأْيًا مُضَلَّلَا
ألا فاقصِدُوا يا قومِ للغايةِ التي ... إذا ذُكِرَتْ كانت أَبَرَّ وأعْدَلَا
فيا ليتني فيكم على ظهر سابحٍ ... شديدِ القُصَيْرَى دارِعًا غيرَ أَعْزَلا
ويا ليتني فيكم أعادي عدوَّكمْ ... فيَسقيَني كأْسَ المَنِيَّة أَوَّلا
يعزّ عليَّ أن تُخافوا وتطرَدُوا ... ولما أُجَرِّدْ في المُحِلِّين مُنْصُلا
ولما يُفرّقْ جَمْعَهم كلُّ ماجِدٍ ... إذا قلتَ قد وَلَّى وأَدْبَرَ أقبَلَا
مُشِيحًا بنَصْلِ السيف في حَمَس الوَغَى ... يرى الصبْرَ في بعض المواطِنِ أَمَثَلا
وعزَّ عليّ أن تُضاموا وتُنْقَصوا ... وأَصْبَح ذا بثٍّ أَسيرًا مُكَبَّلا
ولو أنني فيكمْ وقد قصدوا لكمْ ... أثَرْتُ إذًا بين الفريقيْنِ قَسْطَلا
فيا رُبّ جَمْعٍ قد فَللتُ وغارةٍ ... شهِدْتُ وقِرْنٍ قد تركْتُ مُجَدَّلا
فبعث المستورِد إلى أصحابه فقال لهم: اخرُجوا من هذه القبيلة لا يُصِب امرأ مسلمًا في سببنا بغير علمٍ معرّةٌ. وكان فيهم بعضُ من يرى رأيهم، فاتّعدوا سورًا، فخرجوا إليها متقطعين من أربعة وخمسة وعشرة، فتتامّوا بها ثلاثمئة رجل، ثم ساروا إلى الصَّراة، فباتوا بها ليلةً.
ثم إنّ المغيرة بن شُعبة أخبِر خبرَهم، فدعا رؤساء الناس، فقال: إنّ هؤلاء الأشقياء قد أخرجهم الحيْن وسوءُ الرأي، فمن تَرَوْن أبعث إليهم؟ قال: فقام إليه