للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنفسه، وارتضاه لملائكته ورُسله، ثم أقمتم عليه حتى قبض الله رسولَه - صلى الله عليه وسلم - ثم اختلف الناس بعدَه فثبتت طائفة، وارتدّت طائفة، وأدهنَتْ طائفة، وتربَّصت طائفة، فلزمْتم دينَ الله إيمانًا به وبرسوله، وقاتلتم المرتدّين حتى قام الدّين، وأهلَك الله الظالمين، فلم يزل الله يزيدكم بذلك خيرًا في كلّ شيء، وعلى كلّ حال، حتى اختلفتْ الأمّة بينها، فقالت طائفة: نريد طلحةَ والزبير وعائشة، وقالت طائفة: نريد أهلَ المغرب، وقالت طائفة: نريد عبد الله بن وهب الراسبيّ، راسب الأزْد، وقلتم أنتم: لا نريد إلا أهلَ البيت الذي ابتدأنا الله من قِبَلهم بالكرامة، تسديدًا من اللهِ لكم وتوفيقًا، فلم تزالوا على الحقّ لازمين له، آخذِين به، حتى أهلك الله بكم وبمن كان على مِثل هداكم ورأيكم الناكِثين يومَ الجمل، والمارِقين يومَ النّهر - وسكت عن ذكر أهل الشأم، لأن السلطان كان حينئذ سلطانهم - ولا قوم أعدَى لله ولكم ولأهل بيت نبيِّكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة، الذين فارَقوا إمامَنا، واستحلُّوا دماءَنا، وشهدوا علينا بالكفْر؛ فإياكم أن تُؤووهم في دُوركم، أو تكتموا عليهم، فإنه ليس ينبغي لحيّ من أحياء العرب أن يكون أعدَى لهذه المارقة منكم، وقد والله ذُكِر لي: أنّ بعضهم في جانب من الحيّ، وأنا باحثٌ عن ذلك وَسَائلٌ، فإن كان حُكيَ لي ذلك حقًّا تقرّبت إلى الله تعالى بدمائهم، فإنّ دماءهم حلال، ثم قال: يا معشرَ عبدِ القيس! إنّ وُلاتنا هؤلاء هم أعرَف شيء بكم وبرأيكم، فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلًا، فإنهم أسرَع شيء إليكم وإلى أمثالكم، ثم تنحّى فجلس، فكلّ قومه قال: لَعنَهم الله! قال: برئ الله منهم، فلا والله، فلا نُؤْويهم ولئن عَلِمنا بمكانهم؛ لنطلعنّك عليهم، غير سُليم بن محدوج، فإنه لم يقل شيئًا، فرجع إلى قومه كئيبًا واجمًا، يكرَه أن يخرجَ أصحابه من منزله فيَلُومُوه، وقد كانت بينهم مصاهَرة، وكان لهم ثقة، ويكره أن يُطلَبوا في داره فيَهلِكوا ويَهلِك، وجاء فدخل رحلَه، وأقبل أصحابُ المستورِد يأتونه، فليس منهم رجلٌ إلا يخبره بما قام به المغيرة بن شُعبة في الناس وبما جاءهم رؤساؤهم، وقاموا فيهم، وقالوا له: اخرُج بنا، فوالله ما نأمن أن نؤخذ في عشائرنا، قال: فقال لهم: أما تروْن رأسَ عبد القيس قام فيهم كما قامت رؤساءُ العشائر في عشائرهم؟ قالوا: بلى والله نرى. قال: فإنّ صاحب منزلي لم يذكر لي شيئًا؛ قالوا: نرى والله: أنه استحيا منك، فدعاه فأتاه، فقال: يابن محدوج؛ إنه قد بلغني أن رؤساء العشائر قاموا

<<  <  ج: ص:  >  >>