لسفهائكم، فأمّا الحُلَماء الأتقياء فلا، وإيمُ الله لقد خشيتُ ألا أجد بدًّا من أن يُعصَب الحليم التقي بذنْب السفيه الجاهل، فكفُّوا أيُّها الناس سفهاءَكم قبلَ أن يَشملَ البلاءُ عوامَّكم، وقد ذُكر لي: أنّ رجالًا منكم يريدون أن يَظهَروا في المصر بالشقاق والخلاف، وايمُ الله لا يخرجون في حيٍّ من أحياء العرب في هذا المصْر إلا أبَدْتهم وجعلْتُهم نَكالًا لمن بعدهم، فنظر قومٌ لأنفسهم قبل الندم، فقد قمت هذا المقامَ إرادةَ الحجّة والإعذار.
فقام إليه مَعقِل بن قيس الرّياحيّ فقال: أيُّها الأمير! هل سُمّيَ لك أحدٌ من هؤلاء القوم؟ فإن كانوا سُمُّوا لك فأعلِمْنا مَنْ هم؟ فإن كانوا منا كَفْيناكَهم، وإن كانوا من غيرنا أمرتَ أهل الطاعة من أهل مصرِنا، فأتتْك كلّ قبيلة بسفهائها، فقال: ما سُمِّيَ لي أحد منهم، ولكن قد قيل لي: إنّ جماعةً يريدون أن يخرجوا بالمِصر؛ فقال له معقِل: أصلحك الله! فإني أسير في قومي، وأكفيك ما هم فيه، فليكفِك كلّ امرئ من الرؤساء قومَه، فنزل المغيرةُ بن شعبة، وبعث إلى رؤساء الناس فدعاهم، ثم قال لهم: إنه قد كان من الأمر ما قد علمتم، وقد قلت ما قد سمعْتم، فليكفني كل امرئ من الرؤساء قومَه، وإلّا فوالذي لا إله غيره لأتحوّلنّ عما كنتم تَعرِفون إلى ما تُنكِرون، وعمّا تحبّون إلى ما تَكرَهون، فلا يَلُمِ لائمٌ إلا نفسَه، وقد أعذرَ من أنذر، فخرجت الرؤساء إلى عشائرهم، فناشَدوهم اللهَ والإسلامَ إلا دلُّوهم على مَن يروْن أنه يريد أن يهيج فتنةً، أو يفارِق جماعةً، وجاء صَعْصعة بن صُوحان فقام في عبد القيس (١). (٥: ١٨١/ ١٨٢/ ١٨٣/ ١٨٤/ ١٨٥).
قال هشام: قال أبو مخنف: فحدّثني الأسود بن قيس العبديّ عن مرّة بن النعمان، قال: قام فينا صعْصعة بن صُوحان، وقد والله جاءه من الخبر بمنزل التَّيميّ وأصحابه في دار سليم بن محدوج، ولكنه كَرِه على فِراقه إيّاهم وبغضه لرأيهم أن يؤخذوا في عشيرته، وكره مَساءة أهل بيت من قومه، فقال: قَوْلًا حسنًا، ونحن يومئذ كثيرٌ أشرافنا، حسنٌ عددُنا، قال: فقام فينا بعد ما صلّى العصر، فقال: يا معشرَ عباد الله! إنّ الله - وله الحمد كثيرًا - لمّا قسم الفضلَ بين المسلمين خصّكم منه بأحسن القسْم، فأجبْتم إلى دين الله الذي اختاره الله