أبت نفسُه أن ينصرف حتى يعاينهم، فتقدّم حتى قام بين سِجْفَي باب الصُّفّة وقال: السلام عليكم، فنظر فإذا هو بجماعة كثيرة، وإذا سلاحٌ ظاهر ودروع، فقال حجّار: اللهمّ اجمعْهم على خير، مَن أنتم عافاكم الله؟ فعرفه عليّ بن أبي شمر بن الحصين، من تيم الرّباب - وكان أحدَ الثمانية الذين انهزَموا من الخوارج يومَ النهر، وكان من فُرسان العرب، ونُسَّاكهم وخِيارهم - فقال له: يا حجّار بن أبجر، إن كنتَ إنما جاء بك التماس الخبر فقد وجدتَه، وإن كنت إنما جاء بك أمرٌ غير ذلك فادخل، وأخبِرنا ما أتى بك؛ فقال: لا حاجة لي في الدخول، فانصرف، فقال بعضهم لبعض: أدرِكوا هذا فاحبِسوه، فإنه مؤذنٌ بكم، فخرجتْ منهم جماعةٌ في أثره - وذلك عند تطفيل الشمس للإياب - فانتهَوْا إليه وقد ركب فرسَه، فقالوا له: أخبِرنا خَبَرَك، وما جاء بك؟ قال: لم آت لشيء يروعُكم ولا يَهُولكم، فقالوا له: انتظر حتى ندنوَ منك ونكلّمكَ، أو تدنوَ منا؛ أخبرنا فنعلمك أمرَنا، ونذكر حاجتَنا، فقال لهم: ما أنا بدانٍ منكم، ولا أريد أن يدنوَ مني منكم أحد؛ فقال له عليّ ين أبي شمر بن الحصين: أفمؤمَّننا أنت من الإذن بنا هذه الليلة وأنت مُحسِن، فإنَّ لنا قَرابةً وحَقًّا؟ قال: نعم، أنتم آمنون من قبَلي هذه الليلة وليالي الدهر كلِّها، ثم انطلق حتى دخل الكوفة وأدخل أهلَه معه. وقال الآخرون بعضهم لبعض: إنا لا نأمن أن يؤذن بنا هذا، فاخرجوا بنا من هذا الموضع ساعتَنا هذه، قال: فصلَّوا المغرب، ثمّ خرجوا لمن الحِيرة متفرّقين، فقال لهم صاحبُهم: الحقوا بي في دار سُلَيْمِ بن محدوج العبديّ من بني سَلِمة، فخرج من الحِيرة، فمضى حتى أتى عبد القيس. فأتى بني سليم فبعث إلى سُليم بن محدوج - وكان له صهرًا - فأتاه، فأدخله وأصحابًا له خمسةً أو ستّة، ورجع حَجّار بن أبجر إلى رَحْله، فأخذوا ينتظرون منه أن يبلغهم منه ذكرٌ لهم عند السلطان أو الناس، فما ذكرهم عند أحد منهم، ولا بلغهم عنه في ذلك شيء يكرهونه.
فبلغ الخبرُ المغيرةَ بن شُعْبة: أنّ الخوارج خارجةٌ عليه في أيامه تلك، وأنهم قد اجتمعوا على رجل منهم، فقام المغيرة بن شعبة في الناس، فحمِد الله وأثنَى عليه ثم قال: أمّا بعد، فقد علمتم أيّها الناس أني لم أزل أحبّ لجماعتكم العافية، وأكفّ عنكم الأذى، وأنّي والله لقد خشيت أن يكون ذلك أدب سوء