للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجد المغيرة قد حَقَد عليه خلافه إياه، فقال: اجلس فإنما أنت خطيب، فأحفَظَه، فقال له: أوَما أنا إلا خطيب فقط! أجل والله، إنّي للَخطيب الصّليب الرئيس، أما والله لو شهدتَني تحت راية عبد القَيْس يومَ الجمل حيث اختلفت القنا، فشؤون تُفْرَى، وهامةٌ تُختلَى؛ لعلمتَ أني أنا الليث الهِزَبر؛ فقال: حَسْبك الآن، لعمري لقد أوتيتَ لسانًا فصيحًا، ولم يلبَث قبيصة بن الدمُّون أن أخرج الجيشَ مع معقل. وهم ثلاثة آلاف نُقاوة الشيعة وفُرسانهم (١). (٥: ١٨٨/ ١٨٩).

قال أبو مخنف: فحدّثني النّضر بن صالح، عن سالم بن ربيعة، قال: إني جالس عند المغيرة بن شُعْبة حين أتاه معقل بن قيس يسلِّم عليه ويودّعه، فقال له المغيرة: يا معقل بن قيس! إنِّي قد بعثت معك فُرسانَ أهلِ المصْر، أمرت بهم فانتُخبوا انتخابًا، فسرْ إلى هذه العصابة المارقة الذين فارَقوا جماعتَنا، وشهدوا عليها بالكُفْر، فادعهم إلى التَّوْبة، وإلى الدّخول في الجَماعة، فإن فعلوا فاقبل منهم، وأكفُفْ عنهم، وإن هم لم يفعلوا فناجِزْهم، واستعِن بالله عليهم.

فقال معقل بن قيس: سندعُوهم ونعذِر، وايمُ الله ما أرَى أن يقبلوا، ولئن لم يقبلوا الحقّ لا نَقبل منهم الباطل، هل بلغَك - أصلَحك الله - أين منزل القوم؟ قال: نعم، كتب إليّ سماك بن عُبَيد العبسيّ - وكان عاملًا له على المدائن - يُخبِرني: أنهم ارتحلوا من الصَّراة، فأقبلوا حتى نزلوا بَهُرَسير، وأنهم أرادوا أن يَعْبروا إلى المدينة العتيقة التي بها منازل كسرى وأبيَض المدائن، فمنعهم سماك أن يجوزوا، فنزلوا بمدينة بَهُرَسِير مقِيمين، فاخرج إليهم، وانكمِش في آثارهم حتى تَلحقَهم، ولا تَدَعهم والإقامةَ في بلد ينتهى إليهم فيه أكثر من الساعة التي تدعوهم فيها، فإن قبلوا وإلا فناهِضْهم، فإنهم لن يقيموا ببلد يومين إلا أفسدوا كلّ من خالَطَهم.

فخرج من يوم فبات بسورا، فأمر المغيرة مولاه ورّادًا، فخرج إلى الناس في مسجد الجماعة، فقال: أيّها الناس! إنّ معقل بن قيس قد سار إلى هذه المارقة، وقد بات الليلةَ بسورا، فلا يتخلّفنّ عنه أحد من أصحابه.


(١) إسناده تالف، وفي متنه نكارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>