ألا وإنّ الأمير يُحَرِّج على كلّ رجل من المسلمين منهم، ويَعزِم عليهم أن يبيتوا بالكوفة، ألا وأيُّما رجل من هذا البعث وجَدناه بعد يَومِنا بالكوفة فقد أحلّ بنفسه (١). (٥: ١٨٩/ ١٩٠).
قال أبو مخنف: وحدثني عبد الرحمن بن جندب عن عبد الله بن عُقْبة الغَنَويّ، قال: كنت فيمن خرج مع المستورِد بن عُلّفة، وكنت أحدثَ رجلٍ فيهم، قال: فخرجنا حتى أتينا الصَّراة، فأقمنا بها حتى تتامّت جماعتُنا، ثم خرجْنا حتى انتهينا إلى بَهْرسير، فدخلناها ونذِر بنا سماك بن عبيد العبسيّ، وكان في المدينة العتيقة، فلما ذهبنا لنعبر الجسرَ إليهم قاتلْنا عليه، ثم قطعه علينا، فأقمنا ببَهُرسير. قال: فدعاني المستورِد بن عُلّفة، فقال: أتكتب يابن أخي؟ قلت: نعم، فدعا لي برَقٍّ ودَواة، وقال: اكتب: مِنْ عبد الله المستورِد أميرِ المؤمنين إلى سماك بن عبيد، أمّا بعد: فقد نقِمْنا على قومنا الجَوْر في الأحكام، وتعطيلَ الحدود، والاستئثارَ بالفيء، وإنا ندعوك إلى كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وولاية أبي بكر وعمرَ رضوان الله عليهما، والبراءة من عثمانَ وعليّ، لإحداثهما في الدّين، وتركهما حكمَ الكتاب، فإنْ تقبَل؛ فقد أدركت رُشْدَك، وإلا تَقْبَل؛ فقد بالغنا في الإعذار إليك، وقد آذنّاك بحرب، فنَبَذْنا إليك على سواء، إنّ الله لا يحبّ الخائنين. قال: فقال المستورِد: انطلق إلى سماك بهذا الكتاب فادفعهُ إليه، واحفظ ما يقول لك، والقَنِي.
قال: وكنت فتىً حَدَثًا حين أدركتَ، لم أجرّب الأمور، ولا علمَ لي بكثير منها، فقلت: أصلحك الله! لو أمرتَني أن أستعرضَ دِجلة فألقِيَ نفسي فيها ما عصيتُك، ولكن تأمن عليّ سماكًا أن يتعلق بي، فيَحبِسني عنك، فإذا أنا قد فاتني ما أترجّاه من الجهاد! فتبسّم وقال: يابن أخي! إنما أنت رسولٌ، والرسوِل لا يُعرَض له، ولو خشيتُ ذلك عليك لم أبعثْك، وما أنت على نفسك بأشفق مني عليك، قال: فخرجتُ حتى عبرتُ إليهم في معْبَر، فأتيت سماك بن عبيد، وإذا الناس حولَه كثير، قال: فلما أقبلتُ نحوَهم أَبَدُّوني أبصارَهم، فلما دنوت منهم ابتدرني نحوٌ من عشرة، وظننتُ والله أنّ القومَ يريدون أخذي، وأنّ الأمرَ