عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي، فانتضَيْت سيفي، وقلتُ: كلًا، والذي نفسي بيَدِه، لا تَصِلون إليّ حتى أعذِر إلى الله فيكم، قالوا لي: يا عبدَ الله، من أنت؟ قلت: أنا رسولُ أمير المؤمنين المستورِد بن عُلّفة، قالوا: فلِمَ انتضيَت سيفك؟ قلت: لابتِداركم إليّ، فخفت أن توثقوني، وتغدروا بي، قالوا: فأنت آمِن، وإنما أتيناك لنقوم على جَنْبِك، ونُمسِكَ بقائم سيفك، وننظرَ ما جئت له، وما تسأل؛ قال: فقلت لهم: ألست آمِنًا حتى تردّوني إلى أصحابي؟ قالوا: بلى! فشِمْتُ سيفي، ثم أتيت حتى قصت على رأسِ سماك بن عُبَيْد وأصحابُه قد ائتشبوا بي، فمنهم مُمسِك بقائمِ سيفي، ومنهم ممسِكٌ بعَضُدِي، فدفعتُ إليه كتابَ صاحبي، فلما قرأه؛ رفَع رأسه إليّ، فقال: ما كان المستورِد عندي خليقًا لِما كنت أرَى من إخباته وتَواضُعه أن يخرج على المسلمين بسَيْفه، يَعْرِض عليَّ المستورِد البراءة من عليّ وعثمان، ويدعوني إلى ولايته! فبئسَ والله الشيخ أنا إذًا! قال: ثم نظر إليّ فقال: يا بُنيّ! اذهبْ إلى صاحبِك فقل له: اتّق الله وارجع عن رأيك، وادخُل في جماعة المسلمين، فإن أردتَ أن أكتبَ لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت، فإنك ستجده سريعًا إلى الإصلاح، محبًا للعافية. قال: قلت له - وإنّ لي فيهم يومئذ بصيرة -: هيهات! إنما طلبْنا بهذا الأمر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الأمن عند الله يوم القيامة. فقال لي: بؤسًا لك! كيف أرحمُك! ثم قال لأصحابه: إنهم خلَوْا بهذا، ثم جعلوا يقرؤون عليه القرآن، ويتخضّعون، ويتباكون فظنّ بهذا: أنهم على شيء من الحقّ، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلًا، والله ما رأيت قومًا كانوا أظهرَ ضلالة، ولا أبينَ شؤمًا، من هؤلاء الذي تروْن!
قلت: يا هذا! إنني لَمْ آتِك لأشاتِمك ولا أسمع حديثك وحديثَ أصحابك، حدِّثني، أنت تجيبني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فأرجع إلى صاحبي؟ فنظر إليّ ثم قال لأصحابه: ألا تَعجَبون إلى هذا الصبيّ! والله إنّي لأرأني أكبر من أبيه، وهو يقول لي: أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب! انطلِق يا بُنيَّ إلى صاحبك، إنما تندَم لو قد اكتنفتكُم الخيلُ، وأشرِعت في صدوركم الرِّماح، هناك تَمنَّى لو كنتَ في بيت أمِّك! قال: فانصرفتُ من عنده فعبرتُ إلى أصحابي، فلما دنوتُ من صاحبي قال: ما ردّ عليك؟ قلت: ما ردّ خيرًا، قلت له: كذا، وقال لي: كذا،