للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل القرى وعابر السبيل يمرّون عليهم ويرونهم يقتتلون، فمن مَضى منهم على الطريق نحو الوَجْه الذي يأتي من قِبله مَعقل استقبل معقلًا فأخبَره بالْتِقاء أصحابه والخوارج، فيقول: كيف رأيتموهم يصنعون؟

فيقولون: رأينا الحَرُورية تطرد أصحابَك، فيقول: أما رأيتم أصحابي يَعطِفون عليهم ويقاتلونهم؟ فيقولون: بلى، يعطفون عليهم وينهزمون: فقال: إن كان ظنيّ بأبي الروّاغ صادقًا لا يقدم عليك منهزِمًا أبدًا، ثم وقف عليهم فدعا مُحرِز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن مِنقَر التميميّ فقال له: تخلَّف في ضَعفة الناس، ثم سِر بهم على مهَل، حتى تقدم بهم عليّ، ثم نادِ في أهل القوّة: ليتعجل كلّ ذي قوّة معي، اعجَلوا إلى إخوانكم، فإنهم قد لاقوْا عدوّهم، وإني لأرجو أن يُهلِكَهم الله قبل أن تصلوا إليهم.

قالى: فاستجمعَ من أهل القوّة والشجاعة وأهلِ الخيل الجياد نحو من سبعمئة، وسار فأسرع، فلما دنا من أبي الروّاغ قال أبو الروّاغ: هذه غَبَرة الخيل، تقدَّموا بنا إلى عدوّنا حتى يقدم علينا الجند، ونحن منهم قريب، فلا يَرَوْن أننا تنحّينا عنهم ولاهِبنَاهم. قال: فاستقدم أبو الروّاغ حتى وقف مقابل المستورِد وأصحابه، وغشِيَهم معقل في أصحابه، فلما دنا منهم غَرَبت الشمس، فنزل فصلَّى بأصحابه، ونزل أبو الرّواغ فصلّى بأصحابه في جانب آخر، وصلّى الخوارج أيضًا، ثم إنّ معقل بن قيس أقبل بأصحابه حتى إذا دنا من أبي الروّاغ دعاه فأتاه، فقال له: أحسنت أبا الروّاغ! هكذا الظنّ بك، الصبر والمحافظة. فقال: أصلحك الله! إنّ لهم شدّات منكراتٍ، فلا تكن أنت تَليها بنفسك، ولكن قدّم بين يديك من يقاتلهم، وكن أنت من وراء الناس رِدءًا لهم؛ فقال: نِعمَ ما رأيت! فواللهِ ما كان إلا رَيْثَما قالها حتى شدّوا عليه وعلى أصحابه، فلما غَشوه انجَفَل عنه عامّةُ أصحابه، وثبتَ ونزل، وقال: الأرضَ الأرضَ يا أهل الإسلام! ونزل معه أبو الروّاغ الشاكريّ وناسٌ كثيرٌ من الفُرْسان وأهلِ الحفاظ نحو مئتي رجل، فلما غشيَهم المستورِد وأصحابهُ استقبلوهم بالرّماح والسيوف، وانجفلتْ خيلُ معقل عنه ساعة، ثم ناداهم مسكين بن عامر بن أنَيْف بن شُريح بن عمرو بن عُدُس - وكان يومئذ من أشجع الناس وأشدِّهم بأسًا - فقال: يا أهل الإسلام، أين الفِرار، وقد نزل أميركم! ألا تَستحيون! إنّ الفرار

<<  <  ج: ص:  >  >>