معقلًا أن تفارقوهم حتى تُبيروهم أو تباروا، سيروا على بركة الله. فساروا وسِرْنا، فأخذ لا يستقبل أحدًا من الناس إلا صاح به وردّه، ونادى وجوهَ أصحابه وقال: اضربوا وجوهَ الناس وردّوهم. قال: فأقبلْنا نردّ الناس حتى انتَهيْنا إلى العسكر، فإذا نحن براية معقل بن قيس منصوبة، فإذا معه مئتا رجل أو أكثر فُرسان الناس ووجوههم ليس فيهم إلا راجل، وإذا هم يقتتلون أشدّ قتال سَمع الناس به، فلما طلعنا عليهم إذا نحن بالخوارج قد كادوا يعلُون أصحابَنا، وإذا أصحابُنا على ذلك صابرون يجالدونهم، فلما رأوْنا كَرّوا ثم شدّوا على الخوارج، فارتفعتْ الخوارج عنهم غيرَ بعيد، وانتهينا إليهم، فنظر أبو الروّاغ إلى معقل فإذا هو مستقدم يذمِّر أصحابه ويحرّضهم، فقال له: أحيٌّ أنت فِداك عمّي وخالي! قال: نعم؛ فشدّ القوم، فنادى أبو الروّاغ أصحابه: ألا تَرَون أميركم حيًّا! شُدّوا على القوم، قال: فَحمَل وحملْنا على القوم بأجمعنا؛ قال: فصدَمْنا خيلَهم صدمةً منكرَة، وشدّ عليهم معقل وأصحابه، فنزل المستورِد، وصاح بأصحابه: يا معشر الشُّراة، الأرضَ الأرضَ، فإنها واللهِ الجنّة! والذي لا إله غيره لمن قتل صادق النيّة في جهاد هؤلاء الظَّلَمة وجلاحهم. فتنازَلوا من عند آخرهم، فنزلنا من عند آخرنا، ثم مضيْنا إليه منصلتين بالسيوف، فاضطرَبْنا بها طويلًا من النهار كأشدّ قتال اقتَتلَه الناس قطّ، غير أن المستورِد نادى معقلًا فقال: يا معقل! ابرُز لي، فخرج إليه معقل، فقلنا له: نَنشُدك أن تَخرُج إلى هذا الكلب الذي قد آيَسه الله من نفسِه! قال: لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارَزة أبدًا فأكونَ أنا النّاكل؛ فمشى إليه بالسيف، وخرج الآخر إليه بالرمح، فناديناه أنْ الْقه برمح مثل رمحه، فأبى، وأقبل عليه المستورد فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره، وضربه معقلٌ بالسيف حتى خالط سيفُه أمَّ الدّماغ، فوقع ميّتًا، وقتل معقل، وقال لنا حين برز إليه: إن هلكتُ فأميرُكم عمرو بن محرز بن شهاب السعديّ ثم المِنقَريّ: قال: فلما هلك معقل أخذ الراية عمرو بن محرز، وقال عمرو: إن قتلت فعليكم أبو الروّاغ، فإن قتل أبو الروّاغ فأميرُكم مسكين بن عامر بن أنَيف، وإنه يومئذ لفتىً حَدَث، ثم شدّ برايته، وأمر الناس أن يشدّوا عليهم، فما لبَّثوهم أن قتلوهم (١). (٥: ٢٠٧/ ٢٠٨ / ٢٠٩).