تَزاوَرُ عن أَهلِ الحُفَير كأنّها ... ظليمٌ تبارَى جنحَ ليلٍ نَعائمهْ
رأتْ بين عينيها دُويَّةَ وانجلى ... لها الصّبح عن صَعْلٍ أَسيلٍ مخاطِمُهْ
كأن شراعًا فيه مَجْرَى زمامها ... بدِجْلَةَ إلَّا خَطمُهُ وملاغمُهْ
إذا أَنتِ جاوَزتِ الغَرِيَّيْنِ فاسلَمِي ... وأعرَضَ من فَلْجٍ ورائي مخارمُهْ
وقال أيضًا:
تدارَكني أسبابُ عيسى من الرَّدى ... ومن يَكُ مَولاهُ فليْسَ بواحِدِ
وهي قصيدة طويلة.
قال: وبلغ زيادًا أنه قد شَخَص، فأرسل عليّ بن زَهْدم أحد بني نَوْلة بن فُقَيم في طلبه.
قال أعيَن: فطلبه في بيت نصرانّية يقال لها: ابنة مرّار، من بني قيس بن ثعلبة تنزل قَصِيمة كاظمة؛ قال: فسلَّتْه مِنْ كِسْرِ بيتها، فلم يقدر عليه؛ فقال في ذلك الفرزدق:
أتيت ابنَةَ المَرّار أهبِلتَ تبتغِي ... وما يُبتَغى تحت السَّويَّةِ أَمثالِي
ولكن بُغائي لو أردتَ لقاءَنا ... فضاءُ الصحارى لا ابتغاءٌ بأدغال
وقيل: إنها ربيعة بنت المرّار بن سلامة العِجليّ أمّ أبي النجم الرّاجز.
قال أبو عبيدة: قال مِسمَع بن عبد الملك: فأتى الرَّوحاءَ، فنزل في بكر بن وائل، فأمِن، فقال يمدحهم:
وقد مثَلتْ أَين المسيرُ فلم تجدْ ... لفَوْرتها كالحيِّ بكْر بن وائل
أعفَّ وأوفى ذمةً يعْقِدونها ... إذا وازنتَ شُمَّ الذُّرَا بالكواهِل
وهي قصيدة طويلة، ومدحهم بقصائدَ أُخَر غيرها.
قال: فكان الفرزدق إذا نزل زياد البَصرة نزل الكوفة، وإذا نزل زيادٌ الكوفة نزل الفرزدق البَصرة، وكان زياد ينزل البصرة ستّة أشهر والكوفة ستّة أشهر، فبلغ زيادًا ما صنع الفرزدق، فكتب إلى عامله على الكوفة عبدِ الرحمن بن عُبيد: إنّما الفرزدق فحلُ الوحوش يَرعَى القِفار، فإذا ورد عليه الناس ذُعِر ففارقهم إلى أرض أخرى فرتع؛ فاطلبه حتى تظفَر به، قال الفرزدق: فطُلبت أشدّ طلب، حتى جعل مَن كان يُؤْويني يُخرجني من عنده، فضاقت عليّ الأرض،