وحِضْنين من ظلماءِ ليلٍ سَرَيتُهُ ... بأغيَدَ قد كان النعاس له سُكْرا
رماه الكرى في الرأْس حتى كأنَّه ... أميمُ جلامِيدٍ تركنَ به وَقْرا
من السَّيْرِ والإِدلاج تحْسِبُ أَنما ... سقاهُ الكرى في كلٌ منزلة خَمْرا
جرَرنا وفدَّيناه حتى كأَنما ... يرى بهوادِي الصُّبْح قَنبلةً شُقرا
قال: فمضينا وقَدِمنا المدينة وسعيد بن العاص بن أميّه عليها، فكان في جنازة، فتبعتُه فوجدتُه قاعدًا والميّت يُدفَن حتى قمت بين يديه، فقلت: هذا مَقامُ العائذ من رجل لم يُصِب دمًا ولا مالًا! فقال: قد أجَرْتُ إن لم تكن أصبتَ دمًا ولا مالًا؛ وقال: مَنْ أنت؟ قلت: أنا همّام بن غالب بن صعصعة، وقد أثنيتُ على الأمير، فإنْ رأى أن يأذن لي فأسمِعَه فليفعل؛ قال: هاتِ فأنشدتُه:
وكُومٍ تُنْعِمُ الأَضيافَ عينًا ... وتصْبِحُ في مَباركها ثِقالَا
حتى أتيتُ إلى آخرِها؛ قال: فقال مروان:
قُعُودًا ينظرون إلى سَعيد
قلتُ: والله إنك لقائم يا أبا عبد الملك.
قال: وقال كعب بن جُعَيل: هذه واللهِ الرّؤيا التي رأيت البارحة؛ قال سعيد: وما رأيتَ؟ قال: رأيتُ كأني أمشي في سكّة من سكك المدينة، فإذا أنا بابن قِتْرة في جُحْر، فكأنه أراد أن يتناولني، فاتّقيته، قال: فقام الحطيئة فشقّ ما بين رجُلين حتى تجاوز إليّ، فقال: قل ما شئت فقد أدركتَ من مضى، ولا يدركك من بقي، وقال لسعيد: هذا والله الشِّعر، لا يعلّل به منذ اليوم، قال: فلم نزل بالمدينة مرّة وبمكة مرّة، وقال الفرزدق في ذلك:
ألا من مُبلغٌ عنِّي زيادًا ... مغَلْغلةً يَخُبُّ بها البَرِيدُ
بأنّي قد فَررتُ إلى سَعيدٍ ... ولا يُسْطاعُ ما يَحْمِي سَعيدُ
فَرَرتُ إليه من لَيْثٍ هِزَبْرٍ ... تفادَى عن فرِيسَتِهِ الأُسُودُ
فإن شئتَ انتسبتُ إلى النَّصارى ... وإن شئتَ انتسبتُ إلى اليهود
وإن شئت انتسبتُ إلى فُقَيمٍ ... وناسبني وناسبتُ القُرُودُ
ويُروَى:
وناسبني وناسبت اليهودُ
وأبغَضُهم إليّ بنو فُقيمٍ ... ولكنْ سوف آتِي ما ترِيدُ