قال هشام بن محمد: عن أبي مخنف، عن المجالد بن سعيد، والصقْعب بن زهير، وفضيل بن خَدِيج، والحسين بن عُقْبة المراديّ، قال: كلٌّ قد حدّثني بعضَ هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سُقت من حديث حُجْر بن عديّ الكِنْديّ وأصحابه: إنّ معاوية بن أبي سُفيان لما ولّى المغيرة بن شُعبة الكوفة في جمادى سنة إحدى وأربعين دَعاه، فحمِد الله وأثنَى عليه ثم قال: أمّا بعد فإن لذي الحِلْم قبل اليومِ ما تُقرَع العَصَا، وقد قال المتلمّس:
لِذِي الحِلْم قبلَ اليوم ما تُقْرَعُ العصا ... وما عُلِّمَ الإِنسانُ إلَّا ليعْلَما
وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياءَ كثيرة، فأنا تاركُها اعتمادًا على بَصرك بما يرضيني ويُسعِد سلطاني، ويُصْلَحُ به رعيّتي، ولست تاركًا إيصاءك بخَصْلة: لا تتحمَّ عن شتمِ عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب عليّ، والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم؛ وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه، والإدناء لهم، والاستماع منهم، فقال المغيرة: قد جَرّبْتُ وجُرّبتُ، وعملتُ قَبْلك لغيرك، فلم يُذْممْ بي دَفع ولا رفع ولا وَضْع، فستبلو فَتحْمَد أو تَذُمَّ. قال: بل نحمَد إن شاء الله (١). (٥: ٢٥٣/ ٢٥٤)
قال أبو مخنف: قال الصقعب بن زهير: سمعتُ الشعبيّ يقول: ما ولِينَا والٍ بعده مثله، وإن كان لاحقًا بصالح مَن كان قبله من العمّال.
وأقام المغيرةُ على الكوفة عاملًا لمعاوية سبعَ سنين وأشهرًا، وهو من أحسن شيء سيرةً، وأشدّه حبًّا للعافية، غير أنه لا يدَع ذمّ عليّ والوقوعَ فيه والعيبَ لقتَلة عثمان، واللّعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار، والتزكيةَ لأصحابه، فكان حُجْر بن عديّ إذا سمع ذلك قال: بل إيّاكم فذمّم الله ولعن! ثم قال فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}، وأنا أشهد أن من تذّمون وتعيّرون لأحقّ بالفضل، وأن من تزكّون وتُطْرُون أوْلى بالذّم؛ فيقول المغيرة: يا حُجْر، لقد رُمِيَ بسهمك؛ إذ كنتُ أنا الوالي عليك، يا حُجْر