وَيْحك! اتّق السلطان اتق غضبَه وسطوتَه، فإنّ غضْبَة السلطان أحيانًا مما يُهلِك أمثالَك كثيرًا. ثم يكفّ عنه ويصفح.
فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول، وكانت مقالته: اللهمّ ارحم عثمانَ بن عفان وتجاوَزْ عنه، وأجزِه بأحسنِ عمله، فإنه عَمِل بكتابك، واتّبع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وجمَعَ كلمتنا، وحقَن دماءَنا، وقُتل مظلومًا؛ اللهم فارحم أنصارَه وأولياءه ومحبّيه والطالبين بدمه! ويدعو على قتَلته، فقام حُجْر بن عديّ فنَعَر نعرةً بالمغيرة سِمَعها كلّ مَن كان في المسجد وخارجًا منه، وقال: إنك لا تدري بمن تولع من هَرَمك! أيها الإنسان، مُر لنا بأرزاقنا وأعطِياتنا، فإنك قد حبستَها عنا، وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلَك، وقد أصبحت مولَعًا بذمِّ أمير المؤمنين، وتقريظِ المجرِمين، قال: فقام معه أكثر من ثُلُثي الناس يقولون: صدَق والله حُجْر وبَرَّ، مُرْ لنا بأرزاقنا وأعطِياتنا، فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدى علينا شيئًا؛ وأكثروا في مِثل هذا القول ونحوه، فنزل المغيرة، فدخل واستأذن عليه قومُه، فأذن لهم، فقالوا: علامَ تترك هذا الرجلَ يقول هذه المقالة، ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة! إنَّك تجمع على نفسك بهذا خصلتين: أما أوّلهما فتهوين سلطانِك، وأما الأخرى فإنّ ذلك إن بلغ معاوية كان أسخَطَ له عليه - وكان أشدّهم له قولًا في أمر حُجْر والتعظيم عليه عبد الله أبي عقيل الثَّقَفيّ - فقال لهم المغيرة: إنّي قد قتلته؛ إنه سيأتي أميرٌ بعدي فيحسَبه مثل فيصنع به شبيهًا بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أوّل وهلة فيقتله شرّ قتلة، إنه قد اقترب أجلي وضَعُف عملي، ولا أحبّ أنْ ابتدئ أهلَ هذا المِصر بقتل خيارِهم، وسَفْكِ دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ في الدنيا معاوية ويذلّ يوم القيامة المغيرة؛ ولكني قابلٌ من محسنهم، وعافٍ عن مسيئهم، وحامدٌ حليمَهم، وواعظٌ سِفيهَهم، حتى يفرّق بيني وبينهم الموت، وسيذكرونني لو قد جرّبوا العمّال بعدي (١). (٢٥٤: ٥/ ٢٥٥)
قال أبو مخنف: سمعتُ عثمان بنَ عقبة الكنديّ، يقول: سمعت شيخًا للحيّ