للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= سورة آل عمران، وقرن بينهما في سياق واحد، وكما قال في سورة الأنبياء: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيرُ الْوَارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالمِينَ} [الأنبياء: ٨٩ - ٩١].
وقد تقدم أن مريم لما جعلتها أمها محررة تخدم بيت المقدس، وأنه كفلها زوج أختها أو خالتها نبي ذلك الزمان زكريا - عليه السلام -، وأنه اتخذ لها محرابًا وهو المكان الشريف من المسجد، لا يدخله أحد عليها سواه، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة، فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها في فنون العبادات، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به زكريا عليه السلام، وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها وبأنه سيهب لها ولدًا زكيًّا يكون نبيًّا كريمًا طاهرًا مكرمًا مؤيدًا بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد, لأنها لا زوج لها, ولا هي ممن تتزوج، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه, لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يومًا قد خرجت لبعض شؤونها و {انْتَبَذَتْ} أي: انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل - عليه السلام - {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا} فلما رأته {قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} قال أبو العالية: علمت أن التقي ذو نهية. وهذا يرد قول من زعم أنه كان في بني إسرائيل رجل فاسق مشهور بالفسق اسمه "تقي" فإن هذا قول باطل بلا دليل، وهو من أسخف الأقوال.
{قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} أي: خاطبها الملك {قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} أي: لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} أي: ولدًا زكيًّا.
{قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} أي: كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أي: ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة {قَال كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي: فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه قائلًا: {كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ} أي: وعد أنه سيخلق منك غلامًا ولست بذات بعل، ولا تكونين ممن تبغين {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي: وهذا سهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.
وقوله: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أي: ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلًا على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى. وقوله: {وَرَحْمَةً =

<<  <  ج: ص:  >  >>