للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= مِنَّا} أي: نرحم به العباد بأن يدعوهم إلى الله في صغره وكبره في طفولته وكهولته، بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له، وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء والأضداد والأنداد.
وقوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها، يعني: أن هذا أمر قضاه الله وحتمه وقدره وقرره، وهذا معنى قول محمد بن إسحاق واختيار ابن جرير، ولم يحك سواه ... والله أعلم. ويحتمل أن يكون قوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} كناية عن نفخ جبريل فيها كما قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.
والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} وكقوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يومًا كما ثبت في الحديث المتفق عليه. قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا.
وقوله: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} أي: فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، وهو بنص الحديث الذي رواه النسائي بإسناد لا بأس به عن أنس مرفوعًا والبيهقي بإسناد وصححه عن شداد بن أوس مرفوعًا أيضًا ببيت لحم الذي بني عليه بعض ملوك الروم فيما بعد على ما سنذكره هذا البناء المشاهد الهائل.
{قَالتْ يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتن، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت {نَسْيًا مَنْسِيًّا} أي: لم تخلق بالكلية. وقوله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} وقرئ (مَنْ تَحْتَها).
وفي المضمر قولان، أحدهما أنه جبريل، قاله العوفي عن ابن عباس قال: ولم يتكلم عيسى إلا بحضرة القوم. وبهذا قال سعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والضحاك والسدي وقتادة. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وسعيد بن جبير في رواية: هو ابنها عيسى، واختاره ابن جرير.
وقوله: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} قيل: النهر، وإليه ذهب الجمهور. وجاء فيه حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف واختاره ابن جرير وهو الصحيح. وعن الحسن والربيع بن أنس وابن أسلم وغيرهم أنه ابنها. والصحيح الأول لقوله: {وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيكِ رُطَبًا جَنِيًّا} فذكر الطعام والشراب، ولهذا قال: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَينًا}. =

<<  <  ج: ص:  >  >>