وقوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} {يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا} أي: أمرا عظيمًا منكرًا. ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله. والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها {قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا} والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال: ثم قالوا لها: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} قيل: شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تساميه في العبادة، وكان اسمه هارون. قاله سعيد بن جبير. وقيل: أرادوا بهارون أخا موسى شبهوها به في العبادة، وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسبًا فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع، وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وملأه، فاعتقد أن هذه هي هذه. وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في التفسير مطولًا ولله الحمد والمنة. وقد ورد في الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون، وفي ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها، والله أعلم. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس، سمعت أبي يذكره، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرؤُون: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال: فرحت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم" [مسند أحمد / ح ١٨٢٢٦]. وكذا رواه مسلم والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن إدريس، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وفي رواية: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم" [مسلم / ٩/ ٢١٣٥] والترمذي [ح / ٣١٥٥]. والمقصود أنهم قالوا: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هارون، وكان مشهورًا بالدين والصلاة والخير، ولهذا قالوا: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ =