فبلِّغ خليلي إن رحَلتَ مُشَرِّقًا ... جَديلةَ والحَيَّيْن مَعْنًا وبُحتُرا
ونَبْهانَ والأَفْناءَ من جِذْم طيئِ ... ألم أكُ فيكمْ ذا الغناءِ العَشنزرا!
ألم تذكروا يومَ العُذَيب ألِيَّتي ... أمامكُمُ ألَّا أرَى الدّهرَ مُدبِرا!
وكَرِّي على مِهران والجمعُ حاسر ... وقَتلِي الهُمام المُستَميتَ المُسَوّرا
ويومَ جَلولاءِ الوَقيعة لم أُلَمْ ... ويومَ نِهاوَندِ الفُتُوح وتُستَرا
وتَنسَونني يومَ الشَّريعةِ والقَنَا ... بصِفّينَ في أَكتافهم قد تَكَسَّرَا
جَزَى رَبُّهُ عني عَديَّ بن حاتمٍ ... برَفضي وخِذلاني جزاءً مُوفَّرا
أتَنسَى بَلائِي سادِرًا يا بنَ حاتمٍ ... عشيَّةَ ما أغنَت عَدِيُّكَ حِزْمَرا!
فدافَعتُ عنك القومَ حتى تخَاذَلوا ... وكنتُ أنا الخصمَ الألَدَّ العَذَوَّرا
فَوَلَّوا وما قاموا مقامي كأَنما ... رأَونِيَ لَيثًا بالأَبَاءَة مُخدرا
نَصَرتُكُم إذ خامَ القريبُ وأبعَطَ الـ ... بَعِيدُ وقد أفرِدتُ نَصرًا مؤزرًا
فكان جزائي أن أجَرَّد بينكم ... سَجينًا وأن أُولَى الهوانَ وأوسَرا
وكم عِدَة لي منك أَنك راجعِي ... فلم تُغنِ بالميعادِ عنِّي حبتَرا
فأَصبحتُ أرعَى النِّيبَ طَورًا وتارة ... أُهَرْهِرُ إن راعي الشُّوَيهات هرهَرا
كأَني لم أَركَب جَوادًا لغارةٍ ... ولم أترُكِ القِرن الكميَّ مُقَطَّرا
ولم أَعتَرِض بالسَّيفِ خَيلًا مُغِيرةً ... إذا النكسُ مَشى القَهقَرى ثم جَرجَرا
ولم أستحِثَّ الركضَ في إثرِ عُضبةٍ ... مُيَمّمةٍ عُليا سِجاسٍ وأبهرَا
ولم أذعرِ الأَبْلامَ مني بغارةٍ ... كَورْدِ القَطاثم انحدرتُ مُظَفَّرا
ولم أَرَ في خَيلٍ تُطاعِن بالقَنَا ... بقَزوينَ أو شَروِينَ أو أغزُ كُندُرا
فذلك دهرٌ زال عني حميدُهُ ... وأصبح لي معروفُه قد تَنكَّرا
فلا يَبعَدَنْ قومي وإن كنت غائبًا ... وكنتُ المُضاعَ فيهمُ والمُكَفَّرا
ولا خيرَ في الدنيا ولا العيش بعدهمْ ... وإن كنتُ عنهم نائِيَ الدار مُحصَرا
فمات بالجبَلين قبل موت زياد.
وقال عُبَيدة الكنديّ ثم البذيّ؛ وهو يعيّرِ محمد بن الأشعث بخِذْلانه حُجْرًا:
أَسلمتَ عمَّك لم تُقاتِلْ دونَهُ ... فرَقًا ولولا أنتَ كان منيعَا
وقتلتَ وافِدَ آلِ بَيت محمّدٍ ... وسَلَبتَ أَسيافًا له ودُروعا