للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستين، وأمير المدينة الوليدُ بن عُتبة بن أبي سُفيان، وأمير الكوفة النّعمان بن بشير الأنصاري، وأمير البَصرة عُبيد الله بن زياد، وأمير مكّة عَمرو بن سعيد بن العاص، ولم يكن ليزيد همّة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبَوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيدَ حين دعا الناس إلى بيعته، وأنه ولي عهده بعدَه، والفراغ من أمرهم، فكتب إلى الوليد:

بسم الله الرحمن الرحيم، مِن يزيدَ أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أما بعد: فإنَّ معاوية كان عبدًا من عباد الله، أكرمه الله واستخلَفه، وخوّله، ومكّن له، فعاش بقَدَر، ومات بأجَل، فرحمه الله، فقد عاش محمودًا، ومات بَرًّا تقيًّا، والسلام.

وكتب إليه في صحيفة كأنها أذْنُ فأرة:

أما بعد: فخذ حُسَينًا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيْعة أخْذًا شديدًا ليست فيه رُخصة حتى يبايعوا، والسلام.

فلما أتاه نَعِيَّ معاوية فَظِع به، وكبُر عليه، فبعث إلى مروانَ بن الحكم فدعاه إليه -وكان الوليد يومَ قدم المدينة قَدِمها مروانُ متكارِهًا- فلما رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مرْوان، فجلس عنه وصرَمه، فلم يزل كذلك حتى جاء نعيّ مُعاوية إلى الوليد، فلما عظُم على الوليد هلاكُ معاوية وما أُمِر به من أخذ هؤلاء الرّهط بالبيْعة، فزع عند ذلك إلى مروان، ودعاه، فلما قرأ عليه كتابَ يزيدَ؛ استرجع وترحّم عليه، واستشاره الوليدُ في الأمر وقال: كيف ترى أن نصنع؟ قال: فإني أرى أن تبعث الساعةَ إلى هؤلاء النفر فتدعوَهم إلى البيعة والدّخول في الطاعة، فإن فعلوا؛ قَبِلْتَ منهم، وكَففتَ عنهم، وإن أبَوا قدّمتَهم فضربتَ أعناقَهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثَبَ كلّ امرئ منهم في جانب، وأظهرَ الخلافَ والمنابذَة، ودعا إلى نفسه لا أدري؛ أما ابنُ عمرَ فإني لا أراه يرَى القتال، ولا يحبّ أنه يُوَلَّى على الناس، إلّا أن يُدفَع إليه هذا الأمر عَفوًا. فأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان -وهو إذ ذاك غلامٌ حَدَث- إليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، ولا يأتيانه في مثلها، فقال: أجيبَا، الأمير يدعوكما، فقالا له: انصرف؛ الآن نأتيه، ثم أقبل أحدُهما على الآخر،

<<  <  ج: ص:  >  >>