فقال عبد الله بن الزبير للحسين: ظُنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها! فقال حُسين: قد ظننتُ. أرى طاغِيتَهُم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يَفْشُوَ في الناس الخبر، فقال: وأنا ما أظنّ غيرَه. قال: فما تريد أن تصنع؟ قال: أجمَع فِتْياني الساعة، ثم أمشي إليه، فإذا بلغتُ البابَ احتبستهم عليه، ثم دخلت عليه. قال: فإني أخافه عليك إذا دخلت؛ قال: لا آتيه إلا وأنا على الامتناع قادر، فقام فجمع إليه مواليَهُ وأهلَ بيته، ثم أقبل يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقال لأصحابه: إني داخلٌ، فإن دعوتُكم أو سمعتم صوتَه قد علا فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم، فدخل فسلّم عليه بالإِمْرة ومرْوانُ جالسٌ عندَه، فقال حسين؛ كأنه لا يظنّ ما يظنُّ من موت معاوية: الصّلة خيرٌ من القطيعة، أصلَح اللهُ ذاتَ بينكما! فلم يجيباه في هذا بشيء، وجاء حتى جلس، فأقرأه الوليد الكتابَ، ونَعَى له معاوية، ودعاه إلى البيعة، فقال حسين: إنا لله وإنا إليه راجعون! ورَحِم الله معاوية، وعَظَّم لك الأجر! أمّا ما سألتني من البَيعة فإنّ مثلى لا يُعطي بَيعته سرًّا، ولا أراك تجتزئ بها مني سرًّا دون أن نُظهِرَها على رؤوس الناس علانية؛ قال: أجَلْ، قال: فإذا خرجتَ إلى الناس فدعوتَهم إلى البيعة دعوتَنا مع الناس فكان أمرًا واحدًا؛ فقال له الوليد -وكان يحبّ العافية: فانصرِف على اسم الله حتى تأتيَنا مع جماعة الناس؛ فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يُبايع؛ لا قدرتَ منه على مثلها أبدًا حتى تَكثُر القتلَى بينكم وبينه، احبس الرجلَ، ولا يخرج من عندك حتى يبايع، أو تضرب عنقَه؛ فوثب عند ذلك الحسين، فقال: يا بن الزَّرقاء، أنت تقتلني أم هو! كذبت والله وأثمت! ثم خرج فمرّ بأصحابه، فخرجوا معه حتى أتى منزله. فقال مروانُ للوليد: عصيتَني، لا والله لا يُمكنك مِن مثلها مِن نفسه أبدًا، قال الوليد: وَبِّخْ غيرَك يا مروان، إنك اخترتَ لي التي فيها هلاكُ ديني، والله ما أحبّ أن لي ما طلعتْ عليه الشمس وغربتْ عنه من مال الدنيا ومُلكِها، وأني قتلتُ حُسيْنًا، سبحان الله! أقتل حسينًا أن قال: لا أبايع! والله إني لا أظنّ امرأً يحاسَبُ بدمِ حسين لخفيفُ الميزان عند الله يوم القيامة! فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبتَ فيما صنعت، يقول هذا له؛ وهو غير الحامد له على رأيه.