وأما ابنُ الزبير، فقال: الآن آتيكم، ثمّ أتى دارَه فكمن فيها، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمِعًا في أصحابه متحرّزًا، فألحّ عليه بكثرة الرّسُل والرجال في إثر الرجال؛ فأما حُسين فقال: كُفّ حتى تنظر وننظر، وتَرى ونَرى؛ وأما ابنُ الزبير فقال: لا تعجلوني فإني آتيكم، أمهِلوني فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها وأوّل ليلهما، وكانوا على حسين أشدّ إبقاءً، وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه، وصاحوا به: يا بن الكاهليّة، والله لتأتينّ الأميرَ أو ليقتلنّك! فلبث بذلك نهارَه كلَّه وأوّل ليلة يقول: الآن أجيء، فإذا استحثّوه قال: والله لقد استربت بكثرة الإرسال، وتتابع هذه الرجال، فلا تُعْجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَنْ يأتيني برأيه وأمرِه، فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير، فقال: رحمك الله! كفّ عن عبد الله فإنك قد أفزعْته وذعَرْته بكثرة رُسلك، وهو آتيك غدًا إن شاء الله، فمُرْ رُسلك فلْينصرفوا عنّا، فبعث إليهم فانصرفوا، وخرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفُرْع هو وأخوه جعفر، ليس معهما ثالث، وتجنّب الطريق الأعظم مخافَة الطلب، وتوجّه نحو مكة، فلما أصبح بعث إليه الوليد فوجده قد خرج، فقال مروان: واللهِ إن أخطأ مكة! فسَرِّحْ في أثره الرجال، فبعث راكبًا من موالي بني أمية في ثمانين راكبًا، فطلبوه فلم يَقدِروا عليه، فرجعوا فتشاغلوا عن حُسين بطلب عبدِ الله يومهم ذلك حتى أمسَوْا ثم بعث الرجال إلى حسين عند المساء فقال: أصبحوا ثم ترَون ونَرى، فكفّوا عنه تلك الليلة، ولم يُلِحّوا عليه، فخرج حسين من تحت ليلته، وهي ليلة الأحد ليومَين بقِيَا من رجب سنة ستّين.
وكان مخرج ابن الزبير قبلَه بليلة. خرج ليلةَ السبت فأخذ طريقَ الفُرْع، فبينا عبد الله بن الزبير يُسايرُ أخاه جعفرًا؛ إذ تمثّل جعفرٌ بقول صَبِرة الحنظليّ:
وكل بنى أُمٍّ سَيُمْسُون ليلةً ... ولم يثق من أَعْقابِهِمْ غَيْرُ واحِد
فقال عبد الله! سبحان الله، ما أردتَ إلى ما أسمعُ يا أخي! قال: والله يا أخي ما أردتُ به شيئًا مما تكره؛ فقال: فذاك والله أكرهُ إليّ أن يكون جاء على لسانك من غير تعمّد -قال: وكأنه تطيّرَ منه- وأما الحُسين فإنه خرج ببنيه وإخوَتِه وبني أخيه وجلّ أهل بيته، إلا محمد بن الحنفيّة فإنه قال له: يا أخي! أنتَ أحبّ الناس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها