الأشعث، فلم يَعلم مُسلم حتى أحيط بالدار، فلما رأى ذلك مسلمٌ خرج إليهم بسيفه فقاتَلَهم، فأعطاه عبد الرحمن الأمان، فأمكن من يده، فجاء به إلى عبيد الله، فأمر به فأصعِد إلى أعلى القصر فضُربت عنقُه، وألقَى جُثَّتَه إلى الناس، وأمر بهانئ فسُحب إلى الكُناسة، فصُلب هنالك، وقال شاعرُهم في ذلك:
فإنْ كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري ... إلى هانئ في السُّوقِ وابنِ عقِيلِ
أصابَهُمَا أَمْرُ الإمام فأَصبحا ... أحاديثَ منْ يَسْعى بكلِّ سبيل
أيرْكبُ أسماءُ الهمَالِيج آمنًا ... وقد طَلَبتْهُ مَذْحِجٌ بِذُحول!
(٥: ٣٤٩ - ٣٥١).
وأما أبو مِخْنف فإنه ذكر من قصّة مسلم بن عَقيل وشخوصِه إلى الكُوفة ومقتله قصةً هي أبشع وأتمّ من خبر عمَّار الدّهنيّ عن أبي جعفر الذي ذكرناه ما حُدِّثت عن هشام بن محمد، عنه، قال: حدثني عبد الرحمن بنُ جُندَب، قال: حدّثني عُقبة بن سَمْعان مولى الرِّباب ابنة امرئ القيس الكلبيَّة امرأة حسين -وكانت مع سُكينة ابنة حسين، وهو مولَى لأبيها، وهي إذ ذاك صغيرة- قال: خرجْنا فلزمنا الطريقَ الأعظم، فقال للحسين أهلُ بيته: لو تنكَّبتَ الطريقَ الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب؛ قال: لا، والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو أحبّ إليه، قال: فاستقبَلَنا عبْدُ الله بن مُطيع فقال للحسين: جُعلت فِداك! أين تريد؟ قال: أما الآن فإني أريد مكة، وأما بعدها فإني أستخير الله، قال: خار الله لك، وجَعَلَنا فداك؛ فإذا أنت أتيت مكَّة فإياك أن تَقرُب الكوفة، فإنها بلدةٌ مشؤومة، بها قُتل أبوك، وخُذِل أخوك، واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه؛ الزَم الحَرَم؛ فإنَّك سيِّد العرب، لا يَعدِل بك والله أهلُ الحجاز أحدًا، ويتداعَى إليك الناسُ من كلّ جانب، لا تفارق الحرَم فِدَاك عمّي وخالي! فوالله لئن هلكتَ لنُستَرقَّنَ بعدك! .
فأقبل حتى نزل مكة، فأقبل أهلُها يختلفون إليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير قد لزم الكَعبة، فهو قائم يصلِّي عندها عامَّة النهار ويطوف، ويأتي حُسَينًا فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليَيْن، ويأتيه بين كلّ يومين مرّة، ولا يزال يشير عليه بالزأي وهو أثقل خلْق الله على ابن الزُّبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه أبدًا ما دام حسين بالبلد، وأنّ