للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريك بن الأعور شاكيًا، فقال لهانئ: مُرْ مسلمًا يكن عندي، فإنّ عبيد الله يعودني؛ وقال شريك لمسلم: أرأيتَك إن أمكنتُك من عُبيد الله أضارِبه أنت بالسيف؟ قال: نعم والله. وجاء عبيدُ الله شريكًا يعوده في منزل هانئ -وقد قال شريك لمسلم: إذا سمعتني أقول: اسقُوني ماءً فاخرجْ عليه فاضرْبه- وجلس عبيد الله على فراش شريك، وقام على رأسه مِهْران، فقال: اسقوني ماء، فخرجتْ جاريةً بقدح، فرأت مسلمًا، فزالت، فقال شريك: اسقونِي ماءً؛ ثم قال الثالثة: ويلَكم تحموني الماء! أسقُونيه ولو كانت فيه نفسي؛ ففطن مِهران فغمز عبيدَ الله، فوثب، فقال شريك: أيّها الأمير، إنّي أريد أن أوصي إليك؛ قال: أعود إليك، فجعل مِهران يطَّرد به؛ وقال: أراد والله قتلك؛ قال: وكيف مع إكرامي شريكًا وفي بيت هانئ ويد أبي عنده يده! فرجع فأرسل إلى أسماءَ بن خارجة ومحمَّد بن الأشعث فقال: ائتياني بهانئ، فقالا له: إنه لا يأتي إلا بالأمان؛ قال: وما لَه وللأمان! وهل أحدثَ حدَثًا! انطلقا فإن لم يأتِ إلا بأمان فآمناه، فأتياه فدعَواه، فقال: إنه إن أخذني قتَلَني، فلم يزالا به حتى جاءا به وعبيد الله يخطب يومَ الجمعة، فجلس في المسجد، وقد رجَّل هانئ غدَيرتَيْه، فلمَّا صلَّى عُبيد الله، قال: يا هانئ، فتَبِعه، ودخل فسلَّم، فقال عبيد الله: يا هانئ، أما تعلم أن أبي قَدِم هذا البلد فلم يترك أحدًا من هذه الشيعة إلا قتله غير أبيك وغير حُجر، وكان من حُجْر ما قد علمتَ، ثمّ لم يزل يُحسنُ صُحْبتَك، ثم كتب إلى أمير الكوفة: إن حاجتي قبلَك هانئ؟ قال: نعم، قال: فكان جزائي أن خبأتَ في بيتك رجلًا ليقتلني! قال: ما فعلت، فأخرج المميميَّ الذي كان عينًا عليهم، فلمَّا رآه هانئ علم أن قد أخبره الخبر، فقال: أيّها الأمير، قد كان الذي بلغك، ولن أضيّع يدك عنِّي، فأنت آمنٌ وأهلك، فسرْ حيثُ شئت.

فكَبَا عبيد الله عندها، ومهْران قائم على رأسه في يده معْكَزة، فقال: واذلّاه! هذا العبد الحائك يؤمِّنك في سلطانك! فقال: خذه؛ فطرح المعكزة، وأخذ بضفيرتيْ هانئ، ثم أقنع بوجهه، ثم أخذ عبيد الله المعكزة فضرب بها وجهَ هانئ، وندرَ الزُّجّ، فارتزّ في الجدار، ثم ضرب وجهَه حتى كسر أنفه وجبينَه، وسمع الناسُ الهيْعة، وبلغ الخبر مَذْحج، فأقبلوا فأطافوا بالدار، وأمر عبيد الله بهانئ فألقي في بيت، وصيَّح المذحِجيّون، وأمر عبيد الله مِهران أن يُدخل عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>