للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحُجْر والباب، قالا: فتقرّبنا منهما، فسمعنا ابن الزبير، وهو يقول للحسين: إن شئتَ أن تقيم أقمت فولِّيتَ هذا الأمر، فآزرناك وساعدناك، ونصحْنا لك وبايعناك؛ فقال له الحسين: إنّ أبي حدثني: أن بها كبشًا يستحلّ حرمتها، فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش؛ فقال له ابن الزبير: فأقم إن شئتَ وتوِلّيني أنا الأمر فتطاع ولا تُعصَى؛ فقال: وما أريد هذا أيضًا؛ قالا: ثم إنّهما أخفيَا كلامهما دوننا، فما زالا يتناجيَان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجِّهين إلى منىً عند الظهر؛ قالا: فطاف الحسين بالبيت وبين الصَّفا والمروَة، وقصَّ من شعره، وحلّ من عُمرته، ثم توجّه نحو الكوفة، وتوجّهنا نحوَ الناس إلى منىً. (٥: ٣٨٤ - ٣٨٥) (١).

قال أبو مخنف: عن أبي سعيد عَقيصَى، عن بعض أصحابه، قال: سمعتُ الحسينَ بن عليّ وهو بمكة وهو واقف مع عبد الله بن الزُّبير، فقال له ابن الزبير: إليّ يا بن فاطمة، فأصغَى إليه، فسارّه، قال: ثم التفت إلينا الحسين فقال: أتدرون ما يقول ابنُ الزبير؟ فقلنا: لا ندري، جعلَنا الله فداك! فقال: قال: أقمْ في هذا المسجد أجمع لك الناس؛ ثم قال الحسين: والله لأن أقتَلَ خارجًا منها بشبرٍ أحبّ إليّ من أقتلَ داخلًا منها بشبر، وايم الله لو كنت في جُحْر هامّة من هذا الهوامّ لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، ووالله ليعتدُن عليّ كما اعتدت اليهود في السَّبت. (٥: ٣٨٥) (٢).

قال أبو مخنف: حدّثني الحارث بن كعب الوالبيّ، عن عُقبة بن سِمعان قال: لما خرج الحسين من مكة اعترضه رُسلُ عمرو بن سعيد بن العاص، عليهم يحيى بن سعيد، فقالوا له: انصرِف؛ أين تذهب! فأبى عليهم ومضى، وتَدافَع الفريقان، فاضطربوا بالسّياط، ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعًا قويًّا، ومضى الحسين عليه السلام على وجهه، فنادَوه: يا حسين! ألا تتقي الله! تَخرُج من الجماعة، وتفرِّق بين هذه الأمة! فتأوَّل حسينٌ قولَ الله عز وجك: {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.
(٢) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>