التميميّ، فقال له: أين تريد؟ قال: أريد هذا المِصْر؛ قال له: ارجع فإني لى أدعْ لك خلفي خيرًا أرجوه، فهمّ أن يرجع، وكان معه إخوةُ مسلم بن عَقِيل، فقالوا: واللهِ لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقتَل؛ فقال: لا خيرَ في الحياة بعدكم! فسار فلقيَتْه أوائلُ خيلِ عُبيد الله، فلما رأى ذلك عدلَ إلى كربلاء فأسند ظهرَه إلى قصباء وخلًّا كيلا يقاتل إلا من وجه واحد، فنزل وضرب أبنيته، وكان أصحابُه خمسةً وأربعين فارسًا ومئة راجل، وكان عُمر بن سعد بن أبي وقاص قد ولّاه عبيد الله بن زياد الرّيّ وعهد إليه عهدَه فقال: اكفني هذا الرجل؛ قال: أعفني، فأبَى أن يُعفيَه؛ قال: فأنظرْني الليلة؛ فأخَّره، فنظر في أمره فلما أصبح غدا عليه راضيًا بما أمر به، فتوجّه إليه عُمر بن سعد، فلما أتاه قال له الحسين: اخترْ واحدةً من ثلاث: إما أن تدعوَني فأنصرِف من حيث جئتُ، وإما أن تدعوَني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوَني فألحق بالثغور؛ فقبل ذلك عمر، فكتب إليه عُبيد الله: لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي! فقال له الحسين: لا والله لا يكون ذلك أبدًا، فقاتله فقُتل أصحابُ الحسين كلُّهم، وفيهم بضعة عشَرَ شابًا من أهل بيته، وجاء سهمٌ فأصاب ابنًا له معه في حجره، فجعل يمسح الدم عنه ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دَعَوْنا لينصرونا فقتلونا؛ ثم أمر بحبرة فشقّقها، ثم لبسها وخرج بسيفه، فقاتل حتى قُتِل صلوات الله عليه؛ قتله رجلٌ من مذْحج وحزّ رأسه. وانطلق به إلى عبيد الله وقال:
أَوْقِرْ ركابي فِضَّةً وذَهبَا ... فقد قَتَلْتُ المَلِكَ المُحجَّبا
قَتَلتُ خَيْر الناسِ أُمًّا وأبَا ... وخَيْرهُمْ إذ يُنْسبُونَ نَسبا
وأوفده إلى يزيدَ بن معاوية ومعه الرأس، فوضع رأسَه بين يديه وعنده أبو برزة الأسلميّ، فجعل ينكُتُ بالقَضيب على فيه ويقول:
فقال له أبو برْزة: ارفع قضيبَك، فو الله لربما رأيتُ فا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على فيه يلثمه! وسرّح عمر بن سعد بحرَمه وعياله إلى عبيد الله، ولم يكن بقيَ من أهل بيت الحسين بن علي عليه السلام إلا غلام كان مريضًا مع النساء، فأمر به عُبيد الله ليُقتل، فطرحتْ زينْب نفسَها عليه وقالت: والله لا يُقتل حتى تقتلوني! فرقَّ لها، فتركه وكفّ عنه.