يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركتُ ذكْر أمه بالثُّكل أن أقولَه كائنًا من كان، ولكنْ والله مالي إلى ذكْر أمِّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدَر عليه؛ فقال له الحسين: فما تريد؟ قال الحرّ: أريد والله أن أنطلق بك إلى عُبيد الله بن زياد! قال له الحسين: إذًا والله لا أتْبعك، فقال له الحُرُّ: إذًا والله لا أدَعك؛ فترادّا القولَ ثلاث مرّات، ولما كثر الكلامُ بينهما قال له الحرّ: إنّي لم أومَر بقتالك، وإنما أمِرت ألّا أفارقَك حتى أقدمَك الكُوفة، فإذا أبيتَ فخذ طريقًا لا تُدخلك الكوفة، ولا تردّك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفًا حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنتَ إلى يزيدَ بن معاوية إن أردتَ أن تكتب إليه، أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئتَ، فلعلّ الله إلى ذاك أن يأتيَ بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلَى بشئ من أمرك؛ قال: فخذ هاهنا فتياسرْ عن طريق العُذَيْب والقادسيّة، وبينه وبين العُذَيب ثمانية وثلاثون ميلًا، ثمّ إنّ الحسين سار في أصحابه والحُرّ يسايره. (٥: ٤٠١ - ٤٠٣).
قال أبو مخنف: عن عقبة بن أبي العَيزار: إنّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحُرّ بالبِيضَة، فحمِد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيها الناس! إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لُحرَم الله، ناكثًا لعَهْد الله، مخالفًا لسنة رسول الله، يَعملُ في عباد الله بالإثم والعُدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقًّا على الله أن يُدخله مُدخلَه". ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرّحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حَرام الله، وحرّموا حلالَه، وأنا أحقّ من غَيّر، قد أتتْني كتبكم، وقدمتْ عليّ رُسُلكم ببيعتكم؛ أنكم لا تُسلموني ولا تَخذُلوني، فإنْ تممتم على بيعتكم تصيبُوا رشدَكم، فأنا الحسين بنُ عليّ، وابن فاطمةَ بنتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسْوة، وإن لم تفعلوا ونقضْتم عهدكم، وخلعتُم بيعَتي من أعناقكم، فلَعَمْري ما هي لكم بنُكْر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من اغترّ بكم، فحظَّكم أخطأتم، ونصيبَكم ضيعتم، ومَن نكث فإنما يَنكُث على نفسه، وسيُغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
وقال عقبة بن أبي العَيزار: قام حسين عليه السلام بذي حُسُم، فحَمِد الله