للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامريّ، عن عليّ بن الحسين، قالا: جمع الحسين أصحابَه بعد ما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، قال عليّ بن الحسين: فدنوتُ منه لأسمع وأنا مريض، فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إنِّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين؛ أما بعد، فإني لا أعلم أصحابًا أولَى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصلَ لمن أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعًا خيرًا؛ ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا، ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعًا في حلّ، ليس عليكم منِّي ذِمام، هذا ليلٌ قد غشيكم، فاتّخِذوه جَمَلا (١). (٥: ٤١٨).

قال أبو مخنف: حدّثنا عبد الله بن عاصم الفائشيّ -بطن من هَمْدان- عن الضّحاك بن عبد الله المشرقيّ، قال: قدمت ومالك بن النضر الأرحبيّ على الحسين، فسلّمنا عليه، ثم جلسنا إليه، فردّ علينا، ورحَّب بنا، وسألنا عما جئنا له، فقلنا: جئنا لنسلّم عليك، وندعوَ الله لك بالعافية، ونحدِثَ بك عهدًا، ونخبرك خبر الناس، وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك فرَ رأيك. فقال الحسين عليه السلام: حسبي الله ونعم الوكيل! قال: فتذممنا وسلمنا عليه، ودعَوْنَا اللهَ له، قال: فما يمنعكما من نُصرتي؟ فقال مالك بن النّضر: عليّ دَين، ولي عيال، فقلتُ له: إنّ عليّ دَينًا، وإنّ لي لعيالًا، ولكن إن جعلتني في حِلٍّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلًا قاتلت عنك ما كان لك نافعًا، وعنك دافعًا! قال: قال: فأنت في حلٍّ؛ فأقمتُ معه، فلما كان الليل قال: هذا الليل قد غشيكم، فاتَّخِذُوه جَمَلا، ثم ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله، فإنّ القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهَوْا عن طَلِب غيري؛ فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبدًا؛ بدأهم بهذا القول العباس بن عليّ، ثم إنهم تكلّموا بهذا ونحوه، فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنتُ لكم؛ قالوا: فما يقول


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>