فلمَّا رجع كعب بن جابر قالت له امرأته، أو أخته النَّوار بنت جابر: أعنتَ على ابن فاطمةَ، وقتلتَ سيِّد القُرَّاء؛ لقد أتيتَ عظيمًا من الأمر، والله لا أكلِّمك من رأسي كلمةً أبدًا.
وقال كعب بن جابر:
سَلِي تُخبَري عنّي وأَنتِ ذميمةٌ ... غَداةَ حُسينٍ والرّماحُ شوارعُ
أَلمْ آتِ أَقصى ما كرهتِ ولَم يُخِلْ ... عليَّ غداةَ الرَّوْع ما أَنا صانعُ
معي يَزنيٌّ لم تَخُنْه كعوبُهُ ... وأَبْيضُ مخشوبُ الغِرَارين قاطع
فجرَّدْتُه في عُصبةٍ ليس دينُهمْ ... بديني وإِنِّي بابنِ حربٍ لقانعُ
ولم تَر عيني مِثلهم في زمانِهمْ ... ولا قبلَهم في الناس إذ أنا يافعُ
أشدَّ قِراعًا بالسيوفِ لدى الوَغَى ... ألا كلُّ مَنْ يحمي الذِّمارَ مُقارعُ
وقد صبرُوا للطعنِ والضرب حُسَّرًا ... وقد نازلوا لو أَنَّ ذلك نافعُ
فأبلغْ عبيد اللهِ إِمَّا لقِيتَه ... بأَنِّي مُطيعٌ للخليفةِ سامعُ
قَتلتُ بُريرًا ثم حَمَّلتُ نِعمةً ... أَبا مُنقذ لمَّا دعا: من يُماصعُ؟ (١)
(٥: ٤٣١ - ٤٣٣).
قال أبو مخنف: حدّثني عبد الرّحمن بن جُندَب، قال: سمعتُه في إمارة مُصْعَب بن الزُّبير؛ وهو يقول: يا ربّ إنا قد وَفيْنا، فلا تجعلنا يا ربّ كمن قد غدر! فقال له أبي: صدق، ولقد وَفَى وكَرُم، وكَسبت لنفسك شرًّا؛ قال: كلا، إنّي لم أكسب لنفسي سرًّا، ولكنّي كسبتُ لها خيرًا.
قال: وزعموا: أن رضّي بن منقذ العبديّ ردَّ بعدُ على كعب بن جابر جوابَ قوله، فقال:
لو شاءَ ربّي ما شهدتُ قِتَالَهُم ... ولا جعَل النَّعْماءَ عندي ابْنُ جابر
لقد كانَ ذاك اليومُ عارًا وسُبَّة ... يُعيَّرُهُ الأَبناءُ بعد المعاشرِ
فيا ليتَ أني كنتُ من قبلِ قتلِهِ ... ويوم حُسينٍ كنت في رَمْسِ قابرِ
قال: وخرج عمرو بن قَرَظَة الأنصاريُّ يقاتل دون حسين وهو يقول:
قد علمَتْ كتِيبةُ الأَنصارِ ... أنِّي سأَحْمِي حوْزَةَ الذِّمارِ
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.