للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَغازِي، وكان أشجعَ الناس، فقلت: أيُّها الناس، هذا الأسد الأسوَد، هذا ابن أبي شبِيب؛ لا يخرجنْ إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجلٌ لرجل! فقال عمر بن سعد: ارضَخُوه بالحجارة؛ قال: فرُمِيَ بالحجارة من كلّ جانب، فلما رأى ذلك ألقَى دِرْعه ومِغفرَه، ثمّ شدّ على الناس، فوالله لرأيتهُ يكرُد أكثرَ من مئتين من الناس؛ ثم إنهم تعطَّفوا عليه من كلّ جانب، فقتِل؛ قال: فرأيت رأسَه في أيدي رجال ذوي عُدَّة؛ هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتَوا عمرَ بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتلْه سنان واحد. ففرَّق بينهم بهذا القول (١). (٥: ٤٤٤).

قال أبو مخنف: حدّثني عبد الله بن عاصم، عن الضحّاك بن عبد الله المِشرقيّ. قال: لما رأيتُ أصحاب الحسين قد أصيبوا، وقد خُلِص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبق معه غيرُ سُويد بن عمرو بن أبي المطاع الحثْعَميّ، وبُشَير بن عمرو الحضرميّ، قلت له: يا بن رسول الله! قد علمتَ ما كان بيني وبينك؛ قلتُ لك: أقاتل عنك مارأيتُ مقاتلًا، فإذا لم أر مقاتلًا فأنا في حِلّ من الانصراف؛ فقلتَ لي: نعم؛ قال: فقال: صدقتَ، وكيف لك بالنَّجاء! إنْ قدَرتَ على ذلك فأنتَ في حلّ؛ قال: فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيلَ أصحابنا تُعقَر، أقبلتُ بها حتى أدخلتها فسطاطًا لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أقاتل معهم راجلًا، فقَتلت يومئذ بين يَدِي الحسين رجليْن، وقطعت يدَ آخر، وقال لي الحسين يومئذ مرارًا: لا تُشلل، لا يقطع الله يَدَك، جزاك الله خيرًا عن أهلِ بيتِ نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -! فلما أذن لي استخرجتُ الفرس من الفساط، ثم استويْتُ على متْنها، ثم ضربتُها حتى إذا قامت على السنابك رميتُ بها عُرضَ القوم، فافرجوا لي، واتبعني منهم خمسة عشر رجلًا حتى انتهيتُ إلى شفيَّة؛ قرية قريبة من شاطئ الفُرات، فلما لحقوني عطفتُ عليهم، فعرَفَني كثير بن عبد الله الشعبيّ وأيوب بن مِشْرَح الخَيْوانيّ وقيس بن عبد الله الصائديّ، فقالوا: هذا الضحَّاك بن عبد الله المِشرقيّ، هذا ابنُ عمِّنا، نَنشُدكم اللهَ لما كففتم عنه! فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله لنجيبنّ إخوانَنا وأهلَ دعوتنا إلى ما أحبُّوا من الكفّ عن صاحبهم؛ قال: فلما تابع التميميُّون أصحابي كفّ


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>