بسم الله الرّحمن الرّحيم: أمّا بعد، فإنه قد حُصِرنا في دار مروان بن الحَكم، ومُنِعنا العذْب، ورُمِينا بالجَبوب، فياغَوْثاه! يا غَوْثاه!
قال: فأخذتُ الكتاب ومضيت به حتى قدمتُ على يزيد وهو جالس على كُرسيّ، واضع قدمَيه في ماء طست من وَجَع كان يجده فيهما -ويقال: كان به النِّقْرِس- فقرأه ثمّ قال فيما بلغَنا متمثِّلًا:
ثم قال: أما يكون بنو أميَّة ومواليهم ألفَ رجل بالمدينة؟ قال: قلت: بلى، والله وأكثر؛ قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار! قال: فقلتُ: يا أمير المؤمنين! أجمع الناس كلهم عليهم، فلم يكن لهم بجمع الناس طاقةٌ؛ قال: فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتابَ، وأخبَره الخبر، وأمَرَه أن يسير إليهم في الناس، فقال له: قد كنتُ ضبطتُ لك البلاد، وأحكمتُ لك الأمور، فأمّا الآن؛ إذ صارت إنما هي دِماء قريش تُهراق بالصّعيد، فلا أحبّ أن أكون أنا أتولى ذلك، يتولّاها منهم مَن هو أبعد منهم متي، قال: فبعثني بذلك الكتاب إلى مسلم بن عُقْبة المرّيّ -وهو شيخ كبير ضعيف مريض- فدفعتُ إليه الكتاب، فقرأه، وسألني عن الخبر فأخبرتُه، فقال لي مِثلَ مقالة يزيدَ: أمَا يكون بنو أمية ومواليهم وأنصارهم بالمدينة ألفَ رجل! قال: قلت: بل يكونون؛ قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعةً من نهار! ليس هؤلاء بأهل أن يحصَروا حتى يَجهَدوا أنفسهم في جهاد عدّوهم، وعِز سلطانهم؛ ثم جاء حتى دخل على يزيدَ فقال: يا أمير المؤمنين! لا تنصر هؤلاء فإنهم الأذلّاء؛ أما استطاعوا أن يقاتلوا يومًا واحدًا أو شَطرَه، أو ساعة منه؟ ! دعهم يا أمير المؤمنين حتى يجهَدوا أنفسهَم في جهاد عدوّهم، وعزّ سلطانهم، ويستبينَ لك من يقاتل منهم على طاعتك، ويصبر عليها أو يستسلم؛ قال: وَيحْك! إنه لا خيرَ في العيش بعدهم، فاخرج فأنْبِئْني نبَأك، وسرْ بالناس؛ فخرج مناديه فنادَى: أن سيروا إلى الحِجاز على أخذِ أعطياتكم كَمَلًا ومعونه مئة دينار توضَحُ في يد الرجل من ساعته، فانتدب ذلك اثنا عشر ألف رجل (١). (٥: ٤٨٢ - ٤٨٣)،