منزلةُ عُبيد الله عنده، ثمّ لم يلبث إلَّا قليلًا حتى ندم على قتل الحسين، فكان يقول: وما كان عليّ لو احتملتُ الأذى وأنزلتُه معي في داري، وحكَّمته فيما يريد؛ وإن كان عليّ في ذلك وكَفٌ وَوَهنٌ في سلطاني، حِفْظًا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ورعايةً لحقه وقرابته! لعن الله ابنَ مَرْجانة، فإنَّه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأله أن يُخَلِّيَ سبيلَه، ويرجع فلم يفعل، أو يضع يَده في يدي، أو يلحق بثَغْر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله عزّ وجل فلم يفعل، فأبى ذلك وردّه عليه وقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوةَ، فبَغَضَني البَرُّ والفاجرُ، بما استعظم الناس من قتلي حُسينًا؛ مالي ولابن مرجانة لعنه الله، وغضِب عليه!
ثمّ إنّ عبيد الله بعث مولىً يقال له: أيوب بن حَمْران إلى الشام ليأتيَه بخبر يزيدَ، فركب عبيد الله ذاتَ يوم حتى إذا كان في رَحْبة القصّابين؛ إذا هو بأيوب بن حُمران قد قَدِم، فلحقه فأسرّ إليه موتَ يزيدَ بن معاوية، فرجع عبيد الله من مسيره ذلك فأتى منزلَه، وأمر عبد الله بن حِصْن أحد بني ثعلبة بن يربوع فنادى: الصلاة جامعة.
قال أبو عبيدة: وأما عمير بن معن الكاتب، فحدّثني قال: الذي بعثه عُبيد الله حُمران مولاه، فعاد عُبيد الله عبدَ الله بن نافع أخا زياد لأمه، ثمَّ خرج عبيد الله ماشيًا من خَوْخة كانت في دار نافع إلى المسجد، فلما كان في صحنه إذا هو بمولاه حُمران أدنى ظلمة عند المساء - وكان حُمران رسولَ عبيد الله بن زياد إلى معاوية حياتَه وإلى يزيدَ - فلما رآه ولم يكن [آن] له أن يقدم - قال: مَهيْم! قال: خيرٌ، قال: وما وراءك؟ قال: أدنو منك. قال: نعم - وأسرّ إليه موتَ يزيد واختلاف أمر الناس بالشام، وكان يزيدُ ماتَ يوم الخميس للنصف من شهر ربيع الأولّ سنة أربع وستين - فأقبل عبيد الله مِن فَوْرِهِ، فأمر مناديًا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعِد المنبرَ فنعَى يزيدَ، وعرّض بثلبِه لِقَصْد يزيد إياه قبل موته حتى يخافه عبيد الله، فقال الأحنف لعبيد الله: إنه قد كانت ليزيدَ في أعناقنا بَيْعة، وكان يقال: أعْرِضْ عن ذي فَنَن، فأعرَض عنه، ثمَّ قام عبيد الله يذكر اختلاف أهل الشام، وقال: إنّي قد وليتكم. . . ثمَّ ذكر نحو حديث عمر بن شبّة عن زهير بن حرب إلى: فبايعوه عن رِضًا منهم ومشورةٍ.
ثمَّ قال: فلمّا خرجوا من عنده جعلوا يمسحون أكفّهم بباب الدار وحيطانه،