على الناس عهدًا لَيرَضَوُنَّ بما يختار، قال: ثمّ أتى النعمانُ عبدَ الله بن الأسود فأخذ بيده، وجعل يشترط عليه شرائطَ حتى ظنّ الناس: أنَّه مبايِعه، ثمّ تركه، وأخذ بيد عبد الله بن الحارث، فاشترط عليه مِثلَ ذلك، ثمّ حمِد الله تعالى وأثنَى عليه، وذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وحقّ أهل بيته وقرابته، ثمَّ قال: يا أيّها الناس! ما تَنقِمون من رجل من بني عمّ نبيّكم - صلى الله عليه وسلم -، وأمّه هند بنت أبي سُفْيان! فإن كان فيهم فهو ابن أختكم؛ ثمَّ صفق على يده وقال: ألا إني قد رضيتُ لكم به، فنادَوْا: قد رَضِينا؛ فأقبَلوا بعبد الله بن الحارث إلى دار الإمارة حتى نزلها، وذلك في أوّل جُمادى الآخرة سنة أربع وستين، واستعمل على شُرطته هميان بن عديّ السدوسيّ، ونادى في الناس: أن احضروا البيعة، فحضروا فبايعوه، فقال الفرزدق حين بايعه:
وبايعتُ أقوامًا وفَيت بعهدِهم ... وبَبَّةُ قد بايعتُهُ غَيرَ نادِم
(٥: ٥١٣ - ٥١٤).
قال أبو عبيدة: فحدَّثني زهير بن هُنَيد، عن عمرو بن عيسى، قال: كان منزل مالك بن مسْمَع الجَحْدَريّ في الباطنة عند باب عبد الله الإصبهانيّ في خُطّ بني جَحدر، الذي عند مسجد الجامع، فكان مالك يحضر المسجد، فبينا هو قاعد فيه - وذلك بعد يسيرٍ من أمر ببَّة - وافى الحلْقةَ رجلٌ من ولد عبد الله عامر بن كُرَيْز القرشيّ يريد ببّة، ومعه رسالة من عبد الله بن خازم، وبيعته بَهَراة، فتنازعوا، فأغلظ القرشيُّ لمالك، فلطم رجلٌ من بكر بن وائل القرشيَّ، فتهايج مَنْ ثمَّ مِنْ مضر وربيعة، وكثرتهم ربيعة الذين في الحلقة، فنادى رجل: يالَ تميم! فسمعَت الدّعوةَ عصبةٌ من ضَبّة ابن أدّ - كانوا عند القاضي - فأخذوا رماح حَرَس من المسجد وتِرَسَتَهم، ثمَّ شدّوا على الرّبَعيّين فهزموهم، وبلغ ذلك شقيق بن ثور السدوسيّ - وهو يومئذ رئيس بكر بن وائل - فأقبل إلى المسجد فقال: لا تجدُنّ مضريًّا إلا قتلتموه، فبلغ ذلك مالك بن مسمع، فأقبل متفضلًا يُسكّن الناس، فكفّ بعضُهم عن بعض، فمكث الناس شهرًا أو أقلّ، وكان رجل من بني يشكر يجالس رجلًا من بني ضبّة في المسجد، فتذاكرَا لطمة البَكْريّ القرشيَّ، ففخر اليشكريّ، قال: ثمَّ قال: ذهبت ظَلْفًا، فأحفظ الضّبيّ بذلك، فوجأ عنقَه، فوقذَه الناس في الجمعة، فحُمِل إلى أهله ميتًا - أعني: اليشكريّ -