فثارت بكر إلى رأسهم أشيمَ بن شقيق، فقالوا: سِرْ بنا؛ فقال: بل أبعث إليهم رسولًا، فإن سيّبوا لنا حقَّنا وإلا سرنا إليهم، أبتْ ذلك بكر، فأتَوْا مالك بن مسمع - وقد كان قبل ذلك مملَّكًا عليهم قبل أشيم، فغلب أشيمَ على الرّياسة حين شخص أشيم إلى يزيدَ بن معاوية؛ فكتب له إلى عبيد الله بن زياد أن ردّوا الرّياسة إلى أشيم، فأبت اللَّهازم، وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم عنزة وشيع اللات وحلفاؤها عجل حتى توافوا هم وآل ذهل بن شيبان وحلفاؤها يَشكُر، وذهل بن ثعلبة وحلفاؤها ضُبيْعة بن ربيعة بن نزار؛ أربع قبائل وأربع قبائل، وكان هذا الحلف في أهل الوَبَر في الجاهلية، فكانت حنيفة بقيتْ من قبائل بكر لم تكن دخلتْ في الجاهلية في هذا الحلف، لأنهم أهلُ مَدَر، فدخلوا في الإِسلام مع أخيهم عجل، فصاروا لِهْزمةً، ثمّ تراضوْا بحكم عمران بن عِصام العَنَزيّ أحد بني هُمَيْم، وردّها إلى أشيَم، فلما كانت هذه الفتنة استخفّت بكر مالك بن مسمع، فخفّ وجمع وأعدّ، فطلب إلى الأزد أن يجدّدوا الحِلْف الذي كان بينهم قبل ذلك في الجماعة على يزيد بن معاوية، فقال حارثة بن بدر في ذلك:
نزعْنا وأَمَرْنا وبكرُ بن وائل ... تجر خُصاها تبتغي من تحالِفُ
وما باتَ بَكريٌّ من الدهرِ ليلةً ... فيُصْبِحَ إلَّا وهو لِلذُّلّ عارِفُ
قال: فبلغ عبيد الله الخبر - وهو في رحْلِ مسعود - من تباعد ما بين بكر وتميم، فقال لمسعود: اِلقَ مالكًا فَجدّدِ الحِلف الأوّل؛ فلقِيَه، فترادّا ذلك، وتأبَّى عليهما نفر من هؤلاء وأولئك، فبعث عبيد الله أخاه عبد الله مع مسعود، فأعطاه جزيلًا من المال، حتى أنفق في ذلك أكثر من مئتي ألف درهم على أن يبايعوهما، وقال عبيد الله لأخيه: استوثق من القوم لأهل اليمن، فجددوا الحِلْف، وكتبوا بينهم كتابًا سوى الكتابين اللذين كانا كتُبا بينهما في الجماعة، فوضعوا كتابًا عند مسعود بن عمر. (٥: ٥١٤ - ٥١٦).
قال أبو عبيدة: فحدثني بعض ولد مسعود: أنّ أول تسمية من فيه الصّلت بن حُريْث بن جابر الحنفيّ، ووضعوا كتابًا عند الصّلت بن حريث أوّل تسميته ابن رجاء العَوْذيّ، من عَوْذ بن سُود، وقد كان بينهم قبل هذا حِلف. (٥: ٥١٦).
قال أبو عبيدة: وزعم محمَّد بن حفص ويونس بن حبيب وهبيرة بن حُدَير وزهير بن هنيد: أنّ مضر كانت تَكثُر ربيعةَ بالبصرة، وكانت جماعة الأزد آخرَ من