قال: وكان يعيد هذا الكلامَ علينا في كلّ يوم حتى حَفِظه عامّتنا.
قال: ووثب الناس على عمرو بن حُرَيث عند هلاك يزيدَ بن معاوية، فأخرجوه من القصر، واصطلحوا على عامر بن مسعود بن أميّة بن خلف الجُمَحيّ. وهو دُحْرُوجة الجُعَل الذي قال له ابنُ همّام السّلُوليّ:
وكان كأنه إبهامٌ قِصَرًا، وزيد مولاه وخازنُهُ، فكان يصلّي بالناس.
وبايع لابن الزبير، ولم يزل أصحاب سليمانَ بن صُرَد يدعون شعيتهم وغيرهم من أهل مصرهم حتى كثر تبعهم، وكان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيدَ بن معاوية أسرعَ منهم قبل ذلك، فلما مضت ستّة أشهر من هلاك يزيدَ بن معاوية، قدم المختارُ بن أبي عُبَيد الكوفة، فقدم في النصف من شهر رمضان يومَ الجمعة، قال: وقَدِم عبد الله بن يزيد الأنصاريّ ثمّ الخطميّ مِن قِبَل عبد الله بن الزبير أميرًا على الكوفة على حربها وثَغرِها، وقدم معه من قِبَل ابن الزبير إبراهيمُ بن محمَّد بن طلحة بن عبيد الله الأعرج أميرًا على خَراج الكوفة، وكان قدوم عبد الله بن يزيدَ الأنصاريّ ثمّ الخطمي، يومَ الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة أربع وستّين.
قال: وقدم المختار قبل عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمَّد بثمانية أيام، ودخل المختار الكوفة، وقد اجتمعت رؤوس الشيعة ووجوهُها مع سليمان بن صُرَد فليس يَعدِلونه به، فكان المختار إذا دعاهم إلى نفسه وإلى الطلب بدم الحسين قالت له الشيعة: هذا سليمان بن صُرَد شيخ الشيعة، قد انقادوا له واجتمعوا عليه، فأخذ يقول للشيعة: إني قد جئتكم من قِبل المهديّ محمَّد بن عليّ بن الحنفيَّة مؤتمنًا مأمونًا، منتجَبًا ووزيرًا، فوالله ما زال بالشّيعة حتى انشعبت إليه طائفةٌ تُعَظِّمُه وتجيبه، وتنتظر أمره، وعُظْمُ الشِّيعة مع سليمانَ بن صُرَد، فسليمان أثقل خلق الله على المختار.
وكان المختار يقول لأصحابه: أتدرون ما يريد هذا؟ يعني: سليمان بن صُرَد - إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم، ليس له بصرٌ بالحروب، ولا له علمٌ بها.