البصرة وهم مُجمِعون على رأي أبي بلال (١). (٥: ٥٦٥ - ٥٦٧)
قال هشام: قال أبو مخنف لوط بن يحيى: فحدّثني أبو المثنّى عن رجل من إخوانه من أهل البصرة، أنهم اجتمعوا فقالت العامَّة منهم: لو خرج منّا خارجون في سبيل الله، فقد كانت منّا فَترة منذ خرج أصحابُنا، فيقوم علماؤنا في الأرض، فيكونون مصابيحَ الناس يدعونهم إلى الدّين، ويخرج أهلُ الوَرَع والاجتهاد فيلحقون بالربّ، فيكونون شُهَداءَ مرزوقين عند الله أحياء.
فانتدب لها نافع بن الأزرق، فاعتقد على ثلاثمئة رجل، فخرج وذلك عند وثوب الناس بعبيد الله بن زياد، وكَسْر الخوارج أبوابَ السجون وخروجهم منها، واشتغل الناس بقتال الأزْد، وربيعة، وبني تميم، وقيس في دم مسعود بن عمرو، فاغتنمت الخوارج اشتغالَ الناس بعضهم ببعض، فتهَيّؤوا واجتمعوا، فلما خرج نافع بن الأزرق تبعوه، واصطلح أهلُ البَصرة على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب يصلِّي بهم، وخرج ابن زياد إلى الشام، واصطلحت الأزْد وبنو تميم، فتجرّد الناس للخوارج، فاتبعوهم وأخافوهم حتى خرج من بقي منهم بالبصرة، فلَحِق بابن الأزرق، إلا قليلًا منهم ممن لم يكن أراد الخروج يومه ذلك، منهم عبُد الله بن صَفّار، وعبدُ الله بن إباض، ورجالٌ معهما على رأيهما، ونظر نافع بن الأزرق ورأى: أنّ ولايةَ من تخلّف عنه لا تنبغي، وأنّ من تخلَّف عنه لا نجاةَ له، فقال لأصحابه: إنَّ الله قد أكرمكم بمُخرَجكم، وبصّركم ما عَمِيَ عنه غيرُكم؛ ألستم تعلمون أنكم إنما خرجتم تطلبون شريعته، وأمرَه؟ ! فأمرُه لكم قائد، والكتاب لكم إمام، وإنما تتبعون سُننَه وأثره، فقالوا: بلى! فقال: أليس حكمُكم في وليِّكم حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في وليّه، وحكمُكم في عدوّكم حكم النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدوّه، وعدوّكم اليوم عدوّ الله وعدوّ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما أنّ عدوّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذ هو عدوّ الله وعدوّكم اليوم؟ ! فقالوا: بلى، قال: فقد أنَزل الله تبارك وتعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ١].
وقال:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١]، فقد حرّم الله ولايتَهم، والمُقَامَ