قال: احرقْ هذه السفن، وامضِ إلى مَرْوَ فاخلع أمية، وتقيم بمروَ تأكلها إلى يوم ما؛ قال: فقال الأحنف بن عبد الله العنبريّ: الرأي ما رأى عتّاب، فقال بكير: إنّي أخاف أن يَهلِك هؤلاء الفُرسان الذين معي، فقال: أتخاف عدم الرّجال! أنا آتيك من أهل مروَ بما شئت إنْ هلك مِنْ هؤلاء الذين معك، قال: يهلك المسلمون؛ قال: إنما يكفيك أن ينادي منادٍ: مَن أسلمَ رفعْنا عنه الخَراج فيأتيك خمسون ألفًا من المصلين أسَمع لك من هؤلاء وأطَوع؛ قال: فيهلك أميةُ ومَن معه؛ قال: ولِمَ يهلِكون ولهم عُدّة وعَدَد ونَجْدة وسلاح ظاهر، وأداة كاملة، ليقاتلوا عن أنفسهم حتى يبلغوا الصين! فأحرَق بكير السفُن، ورجع إلى مَرْوَ، فأخذ ابن أمية فحبسه، ودعا الناسَ إلى خلع أمية فأجابوه، وبلغ أمية، فصالح أهل بُخارى على فِدْية قليلة، ورجع فأمر باتخاذ السفن، فاتُّخذت له وجُمعت، وقال لمن معه من وجوه تميم: ألا تعجبون من بكير! إنّي قدمتُ خُراسانَ فحذّرته، ورُفع عليه وشُكي منه، وذكروا أموالًا أصابها، فأعرضت عن ذلك كله، ثمَّ لم أفتشه عن شيء ولا أحدًا من عُمّاله، ثمّ عرضت عليه شرطتي فأبَى، فأعفيته، ثمّ وليته فحُذِّرته، فأمرتُه بالمُقام، وما كان ذلك إلا نظرًا له، ثمّ رددته إلى مروَ، وولّيته الأمر، فكفر ذلك كلَّه، وكافأني بما ترون، فقال له قوم: أيها الأمير، لم يكن هذا من شأنه، إنما أشار عليه بإحراق السفن عتابُ اللِّقوة، فقال: وما عتّاب! وهل عتاب إلا دجاجة حاضنة، فبلغ قولُه عتابًا، فقال عتاب في ذلك:
إنَّ الحَواضِنَ تلقاها مجفَّفةً ... غُلْبَ الرِّقاب على المنسوبةِ النُّجُبِ
تركتَ أمرَك من جُبْنٍ ومن خَوَرٍ ... وجئتَنَا حُمُقًا يا أَلأَمَ العربِ
لما رَأيتَ جبالَ السُّغْدِ مُعْرضةً ... ولَّيتَ موسى ونوحًا عُكْوةَ الذَّنَبِ
وجئتَ ذيخًا مُغِذًّا ما تُكلمُنا ... وطِرْتَ من سَعَفِ البحرينِ كالخَرب
أَوعِدْ وعِيدكَ إني سوف تَعرِفني ... تحتَ الخوافِقِ دون العارض اللجِبِ
يَخُبُّ بي مشرفٌ عار نواهقهُ ... يغْشَى الكتيبةَ بين العَدْوِ والخَببِ
قال: فلمّا تهيأت السفن، عبَرَ أمية وأقبَلِ إلى مروَ، وترك موسى بن عبد الله، وقال: اللهمّ إني أحسنت إلى بُكير، فكفر إحساني، وصنع ما صنع، اللهم اكفنيه.