الناسُ القصر فأخذوه، فأتِيَ به عبد الرحمن بن محمَّد، فقال له: استبقني فإني أفضلُ فُرسانِك وأعظمُهم عنك غَناء؛ فأمر به فحُبس، ثمّ دعا به بعد ذلك فعفا عنه وبايَعه مَطَرٌ، ودخلَ الناس إليه فبايعوه، وسَقَط إليه أهلُ البصرة، وتَقَوَّضَتْ إليه المَسالِح والثغور، وجاءه فيمن جاءه من أهل البصرة عبد الرحمن بنُ العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وعرِف بذلك، وكان قد قاتل الحجاج بالبَصْرة بعد خروج ابن الأشعث ثلاثًا، فبلغ ذلك عبد الملك بنَ مروان، فقال: قاتل الله عُديّ الرَّحْمن، إنه قد فرّ! وقاتل غلمانٌ من غِلمان قريش بعده ثلاثًا، وأقبل الحجاج من البصرة فسار في البرّ حتى مرّ بين القادسيَة والعُذَيب، ومَنَعوه من نزول القادسيّة، وبعث إليه عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث عبد الرحمن بن العبّاس في خيل عظيمة من خيل المصرَيْن فمنعوه من نزول القادسيّة، ثمَّ سايروه حتى ارتفعوا على وادي السباع، ثمّ تَسايرَوا حتى نزل الحجاج ديرَ قُرَّة، ونزل عبدُ الرحمن بنُ العباس ديرَ الجماجم، ثمّ جاء ابن الأشعث فنزل بديرِ الجمَاجم والحجاج بدير قُرَّة، فكان الحجاج بعد ذلك يقول: أما كان عبدُ الرحمن يزْجُر الطيرَ حيث رآني نزلتُ ديرَ قُرَّة، ونزل ديرَ الجماجم!
واجتمع أهلُ الكوفة وأهلُ البَصْرة وأهلُ الثغور والمسالح بدَيْر الجماجم والقرّاء من أهل المِصرَين، فاجتمعوا جميعًا على حرب الحجاج، وجمَعَهم عليه بغضُهم والكراهية له، وهم إذ ذاك مئة ألف مُقاتل ممن يأخذ العطاء، ومعهم مثلهم من مَواليهم، وجاءت الحجاجَ أيضًا أمدادُه من قِبَل عبد الملك من قبل أن ينزل ديرَ قُرَّة، وقد كان الحجاج أراد قبل أن يَنزِل ديرَ قُرَّة أن يرتفع إلى هِيتَ وناحية الجزيرة إرادةَ أن يقترب من الشام والجزيرة فيأتيَه المددُ من الشام من قريب، ويقترب من رَفاغة سِعْر الجزيرة، فلما مرّ بدَيْر قرة قال: ما بهذا المنزل بُعدٌ من أمير المؤمنين، وإنّ الفلاليج وعين التمر إلى جَنْبنا، فنزل فكان في عسكره مخندِقًا وابن محمَّد في عسكره مخندقًا، والناس يخرجون في كلّ يوم فيقتتلون، فلا يزال أحدهما يُدنِي خَندقَه نحو صاحبه، فإذا رآه الآخر خندقَ أيضًا، وأدنَى خندقه من صاحبه، واشتدّ القتال بينهم، فلما بلغ ذلك رؤوس قريش وأهلُ الشام قِبَل عبد الملك ومَواليه قالوا: إن كان إنما يُرْضِي أهل العراق أن يُنزَعَ عنهم الحجاج، فإنّ نزع الحجاج أيسرُ من حَرْب أهلِ العراق، فانزِعْه