للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: كنتُ في خَيْل جَبَلة بن زحْل، فلما حَمَل عليه أهلُ الشام مرة بعد مرّة نادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه فقال: يا معشرَ القرّاء، إنَّ الفِرار ليس بأحد من الناس بأقبحَ منه بكم؛ إني سمعتُ عليًّا - رفع الله درجتَه في الصّالحين، وأثابَه أحسَن ثوابَ الشهداء والصدّيقين - يقول يومَ لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون، إنه مَن رأى عُدوانًا يُعمَل به، ومُنكَرًا يُدعَى إليه، فأنكرَهَ بقَلْبه فقد سَلم وبَرِئ، ومن أنكر بلِسانه فقد أجِر، وهو أفضلُ من صاحبه، ومَن أنكَره بالسيف لتكون كلمةُ الله العُلَيا وكلمةُ الظالمين السفْلَى، فذلك الذي أصابَ سبيلَ الهُدى، ونوّر في قلبه اليقين، فقاتِلوا هؤلاء المُحِلّين المُحدِثين المبتدعِين الذين جهلوا الحقّ فلا يعرفونه، وعَمِلوا بالعدوان فليس يُنْكرونه.

وقال أبو البَخْتَري: أيّها الناس، قاتلوهم على دينكم ودُنْياكم، فوالله لئن ظهَروا عليكم ليُفسِدُنّ عليكم دينكم، وليَغلِبُنّ على دنياكم.

وقال الشعبيّ: يا أهل الإِسلام قاتِلُوهم ولا يأخذْكم حَرَجٌ من قتالهم، فوالله ما أعلم قومًا على بَسيطِ الأرض أعمَل بِظُلم، ولا أجْوَرَ منهم في الحُكم، فليكن بهم البدار.

وقال سعيد بنُ جُبير: قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنية ويقين، وعلى آثامهم قاتِلوهم على جَوْرِهم في الحُكْم، وتجبّرهم في الدين، واستذلالِهم الضّعفاء وإماتتهم الصّلاة (١). (٦/ ٣٥٧ - ٣٥٨).

قال أبو مخنَف: قال أبو الزّبير: فتهيّأنا للحَمْلة عليهم، فقال لنا جَبَلة: إذا حمِلتم عليهمْ فاحملوا حملةً صادقة، ولا تردّوا وجوهكم عنهم حتى تُواقِعوا صفَّهم، قال: فحملنا عليهم حملةً بجدّ منّا في قتالِهم، وقوّة منا عليهم، فضربنا الكتائبَ الثلاث حتى اشفترّت، ثمّ مضينا حتى واقعْنا صفّهم فضربناهم حتى أزلْناهم عنه، ثمّ انصرفْنا فمررنا بجَبَلة صريعًا لا نَدري كيف قُتل.

قال: فهدّنا ذلك وَجبُنّا فوقَفْنا موقفنا الذي كنّا به، وإنّ قُرّاءنا لمتوافِرون ونحن نتنَاعى جبلةَ بن زَحْر بيننا، كأنما فقدَ به كلّ واحد منا أباه أو أخاه، بل هو


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>