للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك المَوطِن كان أشدّ علينا فَقدًا، فقال لنا أبو البَخْتريّ الطائيّ: لا يستبينَنّ فيكم قتلُ جَبَلة بن زَحْر، فإنما كان كرجل منكم أتتْه منيّته ليَومها، فلم يكن ليتقدّم يومُه ولا ليتأخّر عنه، وكلّكم ذائق ما ذاقَ، ومدعوّ فمجيب، قال: فنظرتُ إلى وجوه القُرّاء فإذا الكآبةُ على وجوههم بيّنة، وإذا ألسنتهم منقطِعة، وإذا الفَشَل فيهم قد ظَهَر، وإذا أهلُ الشام قد سُرّوا وجَذِلوا، فنادَوا: يا أعداءَ الله، قد هَلَكتم، وقد قَتَل الله طاغُوتكم (١). (٦/ ٣٥٨).

قال أبو مخنَف: فحدّثني أبو يزيد السَّكسكيّ أنّ جبَلة حين حَمل هو وأصحابُه علينا انكشفْنا، وتبعونا، وافترقتْ منا فِرقة فكانت ناحيةً، فنظرْنا فإذا أصحابه يتبعون أصحابَنا، وقد وقف لأصحابه ليرجعوا إليه على رأس رَهوة فقال بعَضُنا: هذا والله جَبَلة بن زَحْر، احملوا عليه ما دام أصحابه مشاغيلَ بالقِتال عنه لعلّكم تصيبونه، قال: فحملْنا عليه، فأشهَدُ ما وَلَّى ولكن حَمل علينا بالسيف، فلمّا هبط من الرَّهوة، شَجرْناه بالرّماح فأذْرَيناه عن فرسه فوقع قتيلًا، ورجع أصحابُه، فلما رأيناهم مقبلين تنحيْنا عنهم، فلما رأوه قتيلًا رأينا من استرجاعهم وجزعِهم ما قرّت به أعيُننا؛ قال: فتبينّا ذلك في قتالهم إيانا وخروجِهم إلينا (٢). (٦/ ٣٥٨ - ٣٥٩).

قال أبو مخنَف: حدّثني سهم بنُ عبد الرحمن الجُهَنيّ، قال: لما أصيب جَبلة هدّ الناسَ مقتلُه، حتى قدم علينا بِسطام بن مَصقَلة بن هُبيرة الشيبانيّ، فشجع الناسَ مقدَمُه، وقالوا: هذا يقوم مقامَ جَبَلة، فسَمِع هذا القولَ من بعضهم أبو البَختريّ، فقال: قُبِّحتم! إن قتل منكم رجل واحد ظننتمْ أن قد أحِيط بكم، فإن قُتل الآن ابنَ مصقَلة ألقَيتم بأيديكم إلى التهلكة، وقلتم: لم يَبق أحد يقاتِل معه! ما أخَلَقكم أن يُخلَفَ رجاؤنا فيكم! وكان مَقدم بِسطام من الرّيّ، فالتقى هو وقتيبة في الطريق، فدعاه قُتيبة إلى الحجّاج وأهل الشام، ودعاه بِسطام إلى عبد الرحمن وأهل العراق، فكلاهما أبى على صاحبه، وقال بِسطام: لأنَّ أموتَ مع أهل العراق أحَبّ إليّ من أن أعيشَ مع أهل الشام، وكان قد نزل ماسَبَذَانَ؛ فلمّا قدم قال لابن محمَّد: أمِّرْني على خيل ربيعةَ؛ ففعل، فقال لهم: يا معشر


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.
(٢) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>