ضَرَّمَ قَيْسٌ عليَّ البِلا ... دَ حتى إذا اضْطَرَمت أجْذَمَا
ثمَّ جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح، وهو على فرسه لم يَنزل عنه، فخرجتْ إليه ابنتُه فالتزمها، وخرج إليه أهلُه يبكون، فأوصاهم بوصيّة وقال: لا تَبكُوا، أرأيتم إن لم أتركْكم، كم عسَيتُ أن أبقَى معكم حتى أموت! وإن أنا مِتّ فإن الذي رَزَقكم الآن حيٌّ لا يموت، وسَيرْزقكم بعدَ وَفاتي كما رَزقكم في حياتي، ثمّ ودّع أهلَه وخرج من الكُوفة (١). (٦/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
قال أبو مِخنف: فحدّثني الكلبيّ سحمد بن السائب، أنهم لما هُزِموا ارتفاعَ النهار حين امتدّ ومَتَع، قال: جئتُ أشتدّ معي الرمح والسيف والتُّرس حتى بلغتُ أهلي من يومي، ما ألقيتُ شيئًا من سلاحي، فقال الحجاج: اتركوهم فليتبدّدوا ولا تتبعوهم، ونادى المنادِي: مَن رجع فهو آمِن، ورجع محمَّد بنُ مروانَ إلى الموصل، وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام بعد الوقعة، وخلّيا الحجّاج والعراق، وجاء الحجّاج حتى دخل الكوفة، وأجلس مَصقَلة بن كرب بن رَقَبة العبدّي إلى جَنْبه، وكان خطيبًا، فقال: اشتم كلَّ امرئ بما فيه ممّن كُنّا أحسنا إليه، فاشتمه بقلّة شكره، ولؤم عهده؛ ومن علمتَ منه عيبًا فعبْه بما فيه، وصغّرْ إليه نفسَه، وكان لا يبايعه أحدٌ إلا قال له: أتشهد أنك قد كفرتَ؟ فإذا قال: نعم، بايَعه وإلا قتَله، فجاء إليه رجل من خَثْعَم قد كان مُعتزِلًا للناس جميعًا من وراء الفُرات، فسأله عن حاله فقال: ما زلتُ معتزلًا وراءَ هذه النّطفة، منتظِرًا أمرَ الناس حتى ظهرتَ، فأتيتُك لأبايعَك مع الناس؛ قال: أمتربِّص! أتَشْهَد أنك كافر؟ قال: بئسَ الرَّجل أنا إن كنتُ عبدتُ الله ثمانين سنةً ثمّ أشهد على نفسي بالكفر؛ قال: إذًا أقتُلَكَ؛ قال: وإن قتلتَني فوالله ما بقي من عُمْري إلَّا ظِمْءُ حِمار، وإني لأنتظر الموتَ صباحَ مساءَ، قال: اضربوا عنقه، فضُربتْ عنقه، فزَعموا أنَّه لم يبق حولَه قرشيّ ولا شاميّ، ولا أحد من الحزْبَيْن إلَّا رحمه ورَثى له من القَتْل.
وَدَعَا بكُميل بن زياد النَّخَعيّ فقال له: أنت المقتصّ من عثمانَ أمير المؤمنين؟ قد كنت أحبّ أن أجدَ عليك سبيلًا، فقال: واللهِ ما أدري على أيّنا أنتَ أشدّ