أبو البَخْتري الطائيّ وسعيد بن جُبَير يقولان:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا. . .} إلى آخر الآية، ثمَّ يَحمِلان حتى يُواقِعا الصّفّ.
قال أبو المُخارِق: قاتلْناهم مئةَ يوم سَواء أعدّها عدًّا. قال: نَزلْنا ديرَ الجماجم مع ابن محمَّد غداةَ الثلاثاء لليلة مضتْ من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين، وهُزمنا يوم الأربعاء لأربع عشرة مضتْ من جُمادى الآخرة عند امتداد الضّحى ومُتوع النهار، وما كنا قطّ أجرأ عليهم ولا هم أهوَن علينا منهم في ذلك اليوم.
قال: خرجْنا إليهم وخرجوا إلينا يومَ الأربعاء، لأربع عشرة مضتْ من جُمادى الآخِرة، فقاتلْناهم عامّة النهار أحسنَ قتال قاتلناهُمُوه قَطّ، ونحن آمنون من الهزيمة، عالُون للقوم، إذ خرج سُفيان بنُ الأبرد الكلبيّ في الخيل من قِبَل ميمنة أصحابه، حتى دنا من الأبرد بن قُرّة التميميّ، وهو على مَيْسرة عبد الرحمن بن محمد، فوالله ما قاتَلَه كبير قتال حتى انهزم، فأنكَرها الناسُ منه، وكان شجاعًا، ولم يكن الفِرار له بعادة، فظنّ الناسُ أنَّه قد كان أومِن، وصُولح على أن يَنهزم بالناس، فلما فعلها تقوَّضَت الصفوفُ من نحوه، ورَكِب الناس وجوههم وأخذوا في كلّ وجه، وصَعِد عبد الرحمن بن محمَّد المِنبَر، فأخذ يُنادِي الناس: عبادَ الله، إليّ أنا ابنُ محمَّد؛ فأتاه عبدُ الله بن رزام الحارثيّ، فوقف تحت منبره، وجاء عبدُ الله بن ذؤاب السُّلَميّ في خيل له، فوقف منه قريبًا، وثبت حتى دنا منه أهل الشام، فأخذتْ نَبلُهم تحوزُه، فقال: يا بن رِزام، احِمل على هذه الرجال والخيل، فحمل عليهم حتى أمعنوا، ثمَّ جاءت خيل لهم أخرى ورَجّالة، فقال: احمل عليهم يا بن ذُؤاب، فحمَل عليهم حتى أمعَنوا، وثبت لا يبرَح مِنبرَه، ودخل أهل الشام العسكر، فكبَّروا، فصَعِد إليه عبدَّ الله بن يزيد بن المغفَّل الأزديّ - وكانت مُلَيكة ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن - فقال: انزل، فإني أخافُ عليك إن لم تنزل أن تؤسَر، ولعلك إن انصرفْتَ أن تجمع لهم جَمْعًا يُهلكُهم الله به بعد اليوم، فنزل وخَلَّى أهل العراق العسكر، وانهزَموا لا يلوُون على شيء، ومضى عبدُ الرحمن بنُ محمَّد مع ابن جَعدة بن هُبيرة ومعه أناس من أهل بيته، حتى إذا حاذَوا قريةَ بني جَعْدة بالفلّوجة دعوا بِمعبَر، فعبَروا فيه، فانتهى إليهم بِسطام بنُ مَصقَلة، فقال: هل في السفينة عبدُ الرحمن بن محمَّد؟ فلم يكلّموه، وظنّ أنَّه فيهم، فقال: